وفي العصر الحديث، بدأت الحاجة إلى استخدام الحمير في النقل تتناقص في كثير من بلدان العالم، لتحل محلها الوسائل الحديثة من سيارات وعربات نقل وشاحنات وقطارات، مما قلل حاجة أصحاب المدن، بل أيضا لدى المجتمعات الزراعية والأرياف أصبحت الحاجة إليها ضئيلة، إلا في مناطق نائية جدا، أو بدائية جدا، أو وعرة التضاريس، ولم تصلها طرق معبدة لوسائل النقل الحديثة. وفي هذا الوضع الجديد، أصبحت أغلب الحمير على الكرة الأرضية في وضع التقاعد من العمل، عند البشر الذين لا يثمنون عملها المضني وصبرها الشديد عليه. لكنها أبت أن تتوقف عن إفادة الناس، أو لفت انتباههم إلى أهميتها لهم في مجالات أخرى، فقد أنشئت لها مزارع خاصة في أوروبا، خاصة في صربيا، وأصبحت ألبانها محل اهتمام لدى الأسواق الأوروبية، بل إن الأجبان المنتجة من حليبها حظيت بأهمية كبيرة لدى المستهلكين الأوروبيين؛ لما تتميز به من فوائد غذائية، لا توجد في الأجبان المنتجة من حليب الحيوانات الأخرى. وقد صارت أسعار تلك المنتجات من أعلى ما وصلت إليه المنتجات الحيوانية في عمومها، ومنتجات الحليب على وجه الخصوص، فارتفعت أثمان الحمير، خاصة في المناطق الأوروبية القريبة من مزارع الإنتاج الجديدة.
وما أن أصبحت كثير من الحمير عالة على بعض القرى والأرياف، حتى بدأت تبرز لها قيمة أخرى، حيث اكتشفت بعض الأبحاث التطبيقية في مراكز علمية في الصين، أن جلود الحمير تحتوي على مادة سمتها تلك المراكز العلمية «إيجياو». وهي مادة تصلح أن تكون محفزا جنسيا، أو أن تستخدم في معالجة تأخير الشيخوخة، مثلما أنها تساعد على علاج فقر الدم، وحالات طبية أخرى. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى بدء الشركات الصينية في حملات للحصول على جلود تلك الحيوانات من مناطق مختلفة من العالم، وبالطبع كانت القارة الأفريقية هي المكان الأكثر احتواء للحمير، التي تقاعد معظمها من العمل الزراعي والنقل في المدن، التي سيطرت الآليات على خدمة الإنسان فيها. وقد سعى عملاء تلك الشركات إلى جمع الحمير من أماكنها المختلفة، وذبحها ثم سلخها، لجمع جلودها من أجل التصدير إلى الصين. ومشكلة هذا الحيوان المظلوم، أن جانب الاستفادة الأخير منه، لم يعد فيه مهضوم الحق ومذموما فحسب، بل أصبح يفضل مقتولا ومسلوخا في الحال!
[email protected]