وانظر إلى هذا الرجل المعروف باسم (أبو فيصل الصفران) فهو تقدم لمكتبي، الذي كان تقريبا بلا باب انتظارا للعملاء ذوي الفلوس والرموش، وسلم وجلس بعينيه الزائغتين وقد بدأ به ذلك الوقت مرض الرعاش فيصعب عليه الكلام، إلا أن الدم الزبيري الحار الذي يجري في دمه يثور ويعلو هازما المرض بالضربة الصاعقة.. وكنت أعيد توازني على كرسيي لما يغضب.. طبعا ليس خوفا.
تبين لي فيما بعد أن أبا فيصل من أفضل من كسبتهم كصديق وكإنسان.
قال لي ابو فيصل إنه يريد أن يأخذ كل المعرض ولن يدفع هللة واحدة من جيبه.. فرددت عليه:«حبيبي ابو فيصل هذه الشركة ليست شركة أبي».. قال بغضب سريع:«إلا.. شركة أبوك ونص». قلت له: «وكيف ذلك؟» قال:«لأنك مؤتمن على الشركة لأصحابها ومن أجل مجتمعك أيضا».
ثم جلس، وتحول الحبيب لملاك، قائلا بصوت متهدج يقظّع القلب: «لأني جئت لأفرحك.. من أجل شيء تحبه ربما أكثر من غيرك». ولم ينتظر سؤالي له، ليتابع: «جئتك لأقيم معرضا للكتاب بشرط أن تتعاون معي.. لأني ناشر بسيط وصاحب مكتبة لكني صاحب حلم.»
وانسحرتُ بالحال!
ودرنا على الناشرين، أبو فيصل وأنا، وعلى نفقتنا الخاصة كي لا نكلف الشركة مالا، على عواصم النشر العربي؛ القاهرة وبيروت ودمشق.. وكنا نطمع بآحاد الدور، وإذ تتكالب علينا كل الدور التي زرناها.. ولم أصدق عيني وأنا أوقع مع الحاج متولي صاحب مكتبة متولي الأشهر بالعالم العربي كأول مشارك، ولم يحاول أن يعترض على أسعارنا.
وتحقق الحلم وأقمنا معرض الكتاب الأول لشركة معارض الظهران.. ولم يتحقق حلمانا أبو فيصل وأنا..بل تحقق المسحيل!
كيف؟
أولا- نجحنا ببيع كامل المعرض بسعر المتر الذي حددناه.
ثانيا- كان أكثر المعارض ربحا في عام إقامته.
ثالثا- باجتماعنا بوداع الناشرين قالوا لنا إنهم رأوا أعدادا من الجماهير الجادة شراءً أكثر من أي معرض اشتركوا فيه.
الآن تنادى مثقفون في المنطقة الشرقية لإقامة معرض كتاب به، وتجاوبت إدارة معارض الظهران برقي وسرعة بل كانوا أول الفرحين.
بقي أن يوجه بذلك أميرانا سعود بن نايف وأحمد بن فهد بن سلمان وهما المفكران المثقفان وأعرف ذلك من القرب والتجربة الشخصيتين.
أوه! قبل أن أختم نسيت بندًا عن تحقيق المستحيل الوارد سلفًا:
رابعا- لم يدفع أبو فيصل.. ولا هللة!
[email protected]