مع بداية الموسم الدراسي يكثر الحديث عن الطلاب وشؤونهم وقضاياهم، وكذلك المواضيع المتعلقة بالدراسة. وقد دار نقاش بيني وبين بعض من أولياء الأمور عن اختلاف الدراسة بين المرحلة الثانوية والجامعية.. وقد تردد سؤال سمعته أكثر من مرة وفي أكثر من مجلس، وهو عن اﻷسباب التي تجعل الطالب المتفوق في المرحلة الثانوية يهبط مستواه في مرحلة الجامعة، أو ربما يتعثر كثيرا خلال تلك الفترة.
وهنا أطرح بعضا من النقاط التي عاصرتها ورأيتها أيام الجامعة وأخرى بحثت عنها، وإن كان العهد بعيدا قليلا، ولكن الذاكرة ما زالت حاضرة، فتلك الفترة كانت مهمة في حياة كل من عاصرها من الطلاب؛ لأنها تبقى محفورة في صخرة الذكريات.
أولا: من الأسباب أن الحماس والتوهج يقل لعدم وضوح الرؤية، والسبب وراء ذلك أن الشاب يبدأ بطرح الأسئلة المنطقية على نفسه، هل هذا فعلا ما أريده أو هو ما تريده أسرتي والآخرون؟ أم أن هذا الطريق هو الذي يسلكه الجميع، فلابد أن فعل مثلهم؟!
ثانيا: الانتقال من النظام التقليدي (سنة دراسية كاملة) لدى فئة من الطلاب إلى نظام المقررات، هو تغيير مفاجئ وربما يكون له أثر سلبي. وهنا تكمن أهمية تواجد نظام المقررات للطالب الثانوي حتى يكون مهيأ وملما بنظام الساعات، ولديه معرفة مسبقة عن تأثير المعدل التراكمي قبل دخول الجامعة.
ثالثا: قلة الخبرة بالتخصصات الجامعية، بل إن البعض ربما يختار التخصص ولم يكلف نفسه عناء البحث والاستفسار عن المواد التي سوف يدرسها مستقبلا في الجامعة، ويكتفي بمعرفة اسم التخصص فقط.. وبعد فترة ليست بالقصيرة يكتشف وهو ربما في السنة الثالثة الجامعية أن التخصص الذي اختاره ليس متوافقا مع ميوله.. وكما قيل: اسأل مجرب ولا تسأل طبيب!.
رابعا: قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فتكون الجامعة التي يدرسها ليست خياره الأول، وليست الجامعة التي يتمناها.
خامسا: تغير الأصدقاء الذين عاصرهم في مرحلة الثانوية والمتوسط، وكذلك تغير البيئة والمحيط خصوصا إذا كانت الجامعة يعمل ويدرس فيها جنسيات مختلفة من أنحاء العالم.
سادسا: في المرحلة الجامعية يبدأ الانفتاح الفكري على مفاهيم جديدة على الطالب، سواء كانت مفاهيم دينية أو ثقافية أو سياسية أو توجهات فكرية مغايرة لما عاصره في محيط الأسرة والبيت.. ومن هنا يبدأ البعض منهم بتلقف بعض هذه الأفكار والتي قد تصرفه جزئيا أو كليا عن الغرض الأساسي من دخول الجامعة!.
سابعا: الحرية المفاجئة! حيث يبدأ الطالب مرحلة الاعتماد على النفس خصوصا إذا كان يعيش بعيدا عن أهله في سكن الجامعة أو ربما في الغربة، حيث هو المسؤول عن دراسته وأكله ولبسه ومعيشته، وهو المسؤول أيضا عن وقته وكيف وأين ومع من يقضيه.. وتلك الحرية سلاح ذو حدين!.
ثامنا: رفع السقف المتوقع من الطالب خصوصا من الأسرة التي تتوقع أن يقدم نتائج أفضل وعلامات أعلى مما أنجز في الثانوي، ليصبح كل فصل دراسي هو تحد وضغط نفسي عليه.. ولا يعني هذا التساهل في الأمر، ولكن التوسط هو المطلب كما جاء في الحديث الشريف "سددوا وقاربوا".
تاسعا: عدم وجود برنامج ولو قصير للتجهيز النفسي والثقافي المناسب لضغوط الجامعة، من التزاحم والتسارع في المتطلبات الدراسية خصوصا في السنوات الأولى، مما يولد نوعا من التوتر مصحوبا بملل والذي قد يؤدي إلى الإحباط.
عاشرا: ومن الأسباب ضعف اللغة الانجليزية وخصوصا في التخصصات العلمية، مما يتطلب جهدا مضاعفا ووقتا أكثر لفهم الكلمات والجمل، إضافة إلى استيعاب المادة.
أخيرا، لا بد أن يفهم الطالب الجامعي أن الحياة فيها عدة خيارات، منها الطرق الطويلة الصعبة والشاقة، ومنها الطرق القصيرة السهلة، ولكن ليس الطريق السهل هو المضمون، بل إن الطريق الشاق والمتعب هو الأكثر ضمانا وراحة!.