- والعفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأبلغ ذلك ما كان كما تقول العرب، العفو عند المقدرة، ويا لها من من ساعة حاسمة لا يقدر على إتمامها إلا الكبار، فعندما تتمكن من خصم كان يتفنن في النيل منك والنكاية بك، ثم تأول الفرصة لك لتشفى غليلك منه، تكبر نفسك عندها وتعفو عنه، فتلك والله لحظة لا يقدر عليها إلا من يملك نفسا راقية وقلبا كبيرا.
- وللعفو فوائد عظيمة، منها عظيم الأجر من رب العالمين، حيث قال سبحانه (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، ومن ذلك أيضا، أن فيها راحة للنفس وتربيتها على التخلص من الغل والحقد، وفيها كذلك نوع من السكينة والطمأنينة وبعد عن الغل الذي قد ينخر فيها ويهلكها، وفيه كذلك رحمة بالمسيء وتقدير لضعفه بعد قوته.
- وقد يعتقد البعض أن العفو ضعف وانكسار، ولو كان ذلك صحيحا، لما كانت تلك سنة الأنبياء ونهجهم مع خصومهم، كما حصل مع نبينا الكريم في فتح مكة وفي مواقف عدة غيرها، أو مع يوسف -عليه السلام- وإخوته.
- إلا ما أجمل العفو عند المقدرة، وما أجمل تلك النفوس الراقية التي تترفع عن الانتقام والانتصار، بعدما تتمكن وتقوى، بل قد تسمو وتكبر بأن تضيف إلى ذلك الإحسان والكرم، روي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بصحفه فيها مرقت حارة، وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي، استعمل قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ} قال لها: قد فعلت. فقالت: اعمل بما بعده {والعافين عن الناس}. فقال: قد عفوت عنك. فقالت الجارية: {والله يحب المحسنين}. قال ميمونا: قد أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى.
- قال الشاعر
إن الكريم إذا تمكن من أذى
جاءته أخلاق الكرام فأقلعا
وترى اللئيم إذا تمكن من أذى
يطغى فلا يبقي للصلح موضعا
@azmani21