في 21 أبريل، انعقد منتدى لانتييغ تحت عنوان «التحديث الصيني النمط والعالم» في القاعات الكبرى الواقعة على شاطئ نهر هوانغ بوه بشانغهاي، وحضر المنتدى ممثلو حكومات ومؤسسات الفكر ووسائل الإعلام من حوالي 80 دولة لتبادل آرائهم فيها، حيث هنّأ الرئيس الصيني شي جينبينغ الجميع من خلال إرسال رسالة إلى المنتدى مشيرًا إلى أن الصين ستوفر فرصًا جديدة للتنمية العالمية مع إنجازات جديدة محققة في التحديث الصيني النمط، مما يعطي زخمًا جديدًا لبحث البشرية عن مسارات نحو التحديث والنظم الاجتماعية الأفضل، وتعمل مع جميع البلدان لدفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
كما ألقى مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني تشين قانغ كلمته الرئيسية في حفل الافتتاح، موضحًا عن أهمية التحديث الصيني النمط تاريخيًّا وعمليًّا ونظريًّا، ومؤكدًا أن التحديث الصيني النمط ابتكرته الصين، ويمكن للعالم أن يستفيد من الفرصة التي أتى بها.
إذًا، ما جوهر التحديث الصيني النمط ومحتوياته؟ وما الفرق بينه وبين التحديث الغربي؟ وماذا يعني للعالم اليوم؟
يُعدّ التحديث الصيني النمط مستقلا ومتميزا من دون استنساخ أو تقليد من الآخرين. لا يوجد نموذج التحديث الفريد الذي تم تعيينه في العالم، ولا معايير دقيقة له يثبت في كل مكان. منذ العصر الحديث، جعلت الدول الغربية بالسلاح الصينيين مدركين أن الصين قد تخلفت عن العصر، ولا يوجد مستقبل لرضاه عن الوضع الراهن، ولا أمل لهم إلا عن طريق تحقيق التحديث.
وبعد ذلك لجأ عدد لا يُحصى من أصحاب المُثل السامية إلى الدول الغربية في محاولتهم لاستكشاف طرق التحديث بغية إنقاذ الوطن، لكنهم فشلوا، وما وجدت الصين عمودها الفقري وقائدها في قضيتها للتحديث إلا بعد ولادة الحزب الشيوعي الصيني.
ويضع الحزب الشيوعي الصيني على الدوام تطوير الدولة والأمة في نقطة انطلاق أعماله، ويقود الشعب الصيني خطوة بخطوة، من ردود الفعل السلبية إلى التقدم النشيط، من التركيز على التقليد إلى الابتكار المحلي، من دراسة التغريب إلى إبداع الخصائص الصينية، حتي يتم إيجاد طريق التحديث تدريجيًّا، والذي يتماشى مع التقاليد التاريخية والثقافية الصينية واتجاه العصر، مما خلق نمطًا جديدًا من الحضارة البشرية.
ويعدّ التحديث الصيني النمط مفتوحًا للعالم من دون السعي وراء «الصين أولا». ولذا، يدفع التحديث الصيني النمط التطور المشترك للعالم تزامنًا مع تنمية الصين. في العقد الماضي تتقدم الصين على مجموعة الدول السبع مجتمعة من حيث نسبة المساهمة في النمو العالمي.
وقد أصبحت الصين اليوم شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا لأكثر من 140 دولة ومنطقة بما فيها المملكة العربية السعودية، وتتدفق الاستثمارات الصينية المباشرة بقيمة 320 مليون دولار أمريكي إلى العالم يوميًّا، وتقوم أكثر من 3000 شركة أجنبية بالتسجيل في الصين شهريا. ويوفر التحديث الصيني النمط فرصًا ومنصات لتطوير مختلف البلدان.
الصين نجحت في استضافة منتدى تنمية الصين ومنتدى بوآو الآسيوي، كما ستعقد الدورة الثالثة لـ«منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي»، إن المجتمع الدولي على يقين بأن الصين هي الأمل الأكبر في انتعاش الاقتصاد العالمي. ومنذ طرح مبادرة «الحزام والطريق» قبل 10 سنوات، تم التحديد لتشييد أكثر من 3000 مشروع تعاون، مما حفز الاستثمارات بقيمة قرابة تريليون دولار أمريكي، كما حظيت مبادرة التنمية العالمية ترحيبًا عامًّا في المجتمع الدولي، وانضمت قرابة 70 دولة إلى مجموعة الأصدقاء لمبادرة التنمية العالمية.
ويعدّ التحديث الصيني النمط التنمية السلمية من دون الهيمنة.
السلام والاستقرار هما المتطلبان المسبقان للتحديث.. وتتبع الصين منذ تأسيسها بالسياسات الخارجية السلمية والمستقلة كسياساتها الأساسية، وتقف بحزم مع السلام والديمقراطية على الساحة الدولية.
وفي العصر الجديد الحالي، التزمت الصين دائمًا بالحفاظ على السلام الدولي وتعزيز التنمية المشتركة سعيًا إلى دفع إلى بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
ولا توجد عبارة «حتمية الهيمنة لدولة قوية» في قاموس الثقافة الصينية، وقبل 600 عام، قاد تشنغ خه الملاح المشهور في حقبة عهد مينغ الصيني أقوى أسطول بحري عالميا في ذلك الوقت للقيام بالرحلات السبع إلى الغرب، والتي تشمل أكثر من 30 دولة ومنطقة في آسيا وأفريقيا، وأحضر لها الشاي والخزف والحرير والحرفية، ولم يحتل على شبر من أراضي الدول، بل جلب للعالم السلام والحضارة. وأوضحت مبادرة الأمن العالمي التي طرحها الرئيس شي جينبينغ الاتجاه الصائب لتحقيق الأمن المشترك والأمن العالمي.
وقد تلتزم الصين بالإنصاف وتبذل جهودًا حميدة لدفع المفاوضات، حيث طرحت الصين وثيقة «الموقف الصيني من حل الأزمة الأوكرانية سياسيا» بغية تخفيف حدة التوتر للأزمة، كما ساهمت في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، مما يهدئ أوضاع المنطقة. وأثبتت الحقائق أن توجّه الصين نحو التحديث يمثل تنامي قوى السلام والعدالة.
ويوفر التحديث الصيني النمط فرصًا جديدة للارتقاء يعلاقة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة العربية السعودية إلى المستوى الأعلى.
وفي السنوات الأخيرة، وتحت القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، تطبّق المملكة بنشاط «رؤية 2030»، كما طرحت وتنفذ مبادرة «السعودية الخضراء»، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وتستمر في تحقيق إنجازات جديدة في مسيرة التحديث الذاتي. في العام الماضي، قام فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية وناجحة للمملكة، وتم انعقاد الدورة الأولى من قمة صينية عربية وقمة صينية خليجية في الرياض، لضخ مزيد من الطاقات الإيجابية في عملية التحديث في المنطقة.
إن الصين والمملكة كليهما دولتان ناشئتان مهمتان وعضوا مجموعة العشرين، فتحقيق التنمية الوطنية وسعادة الشعب هو الهدف المشترك للبلدين.
كما أن الصين مستعدة لمواصلة تنفيذ سلسلة من الإجماع الهام المتفق عليها بين قادة البلدين، وتعمل مع المملكة سويا في التعاون والفوز المشترك في عملية التحديث، لرسم مشهد رائع للعالم بشكل مشترك، تنتشر فيه الحضارة المادية للبشرية كالعمارات العالية في أرجاء الأرض، وتتألق الحضارة المعنوية للبشرية كنجوم في السماء.
* نائب السفير الصيني وقائم بالأعمال