@SaudAlgosaibi
منذ الحرب العالمية الثانية والدولار الأمريكي يحتل مكانة واسعة كسلعة للمقايضة بكل بلدان العالم. فإن أردت شراء أي شيء عالميا فهو يمر عبر الدولار. إلا أن الأخبار الأخيرة حول محاولة بعض الدول إيجاد عملة بديلة أثارت الجدل حول مدى استمرار مكانة الدولار كما هو عليه الآن في العقود القادمة.
والدولار عملة غير مقوّمة بأي شيء سوى مكانة الولايات المتحدة العالمية كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية، ومن رغبة العالم التبادل عن طريقه. ولتوضيح مدى قوته فإن نسبة التبادل بالدولار تبلغ نحو 90% من التجارة العالمية أو ما قيمته 6.6 ألف مليار دولار يوميًّا. وهناك عدد من العملات حرة التداول أمثال الجنيه الإسترليني والين الياباني واليورو الأوروبي إلا أن يظل تداولها ضئيلًا مقارنة بالدولار. كذلك يقدَّر حجم القروض والائتمان خارج الولايات المتحدة المقوّم بالدولار نحو 88% من الإجمالي العالمي. أي نحن أمام حقيقة وهي سيطرة الدولار على التجارة ومن وسائل الائتمان العالمي وهو أمر أشبه بالاحتكار.
وعندما نتحدث عن أسعار العملات المختلفة فأغلب دول العالم تقوّم عملتها بالدولار الأمريكي، ومن احتياطيات له به. إلا أننا نحن نعيش اليوم مرحلة من التاريخ هامة جدًّا نشاهد فيها بوادر احتضار الولايات المتحدة ومرضها، وتغيّرًا في ميزان القوى العالمية. فقد انتهت الحرب العالمية وألقت أوزارها منذ عهد بعيد. وتلك البلدان التي دمّرتها الحروب انتعشت، وأصبحت تنافس الولايات المتحدة، كما مع الصين ودول النمور الآسيوية.
وكتاريخ، فقد استطاعت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية السيطرة على الاقتصاد العالمي؛ لكونها الطرف السالم من تلك الحرب. كما أن عالميته انطلقت في مؤتمر برتن وود، حيث اتفقت الدول مجتمعة في سنة 1944 على استخدام الدولار كعملة تقوّم بها غيرها من العملات من غير الذهب. إلا أن الولايات المتحدة، وفي عهد الرئيس الأمريكي نيكسون بعد الضغوط لاستبدال الدولار بالذهب من احتياطياتها قرر التخلي عن الذهب كسند للدولار وأصبح الدولار الأمريكي، ومنذ ذاك التاريخ وكأنه سلعة مقوّمة فقط في قوة ومتانة الاقتصاد الأمريكي، ومن أبجديات السوق من العرض والطلب. ولإتمام ذلك طلبت من الدول الكبرى المصدّرة للنفط بقاء نفطها ضمن دائرة الدولار لخلق طلب عليه. كذلك من إصدار سندات مالية تمكّنها من إبقاء الفوائض المالية واحتياطيات الدول بالدولار الأمريكي. كذلك من أهمية الدولار أن جميع بنوك العالم تتعامل بنظام سويفت للتعرف عليها أثناء المبادلات بالدولار مع بعضهم البعض.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة تبقي الدولار خارج الإطار والمعادلات السياسية، وحتى من تلك أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي. إلا أنها، شيئا، بدأت تتخلى عن تلك المبادئ واستعملته كسلاح بسياساتها. ففي سنة 1980 جمّدت أموال الحكومة الإيرانية أثناء ثورتها، وكذلك باكستان عندما أجرت تجارب نووية. أي أن شراء السندات الأمريكية من قبل الدول المختلفة لا يعني الكثير وخاضع للأهواء السياسية والتقلبات الحزبية، كما شهدناه مؤخرًا بالولايات المتحدة.
ومنذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية، شنت الولايات المتحدة حربًا ضروسًا غير معلنة ضد روسيا، وعاقبتها بمجموعة من العقوبات من أهمها تجميد الأموال للحكومة الروسية، وهي ذات السياسة القديمة إلا أنها شملت القطاع الخاص الروسي وممتلكاتهم الخاصة.
وأضافت وقف التبادل بالدولار وكذلك وقف العمل للبنوك الروسية استخدام نظام سوفت. أي أن التبادل باستخدام الدولار أصبح سلاحًا يهدد دول العالم من عدم الاستقرار، ولم يعد حرًّا كما كان عندما اتفق عليه سنة 1944. كذلك أصبح على أثره أي استثمار بالولايات المتحدة يمثل خطرًا غير مقدَّر؛ الأمر الذي دقّ ناقوس الخطر للدول، كما شاهدنا آثاره من تجمّعات عالمية لإيجاد عملة بديلة.
وقد أخرجت الولايات المتحدة المارد من القمقم وسيصعب وقف التيار الممثل بالمخاطر المحتملة بإبقاء استعمال الدولار كأساس للتبادل التجاري العالمي والبنوك المركزية والمحافظ كاستثمار غير محفوف المخاطر بالسندات الأمريكية.