ونحن نرجو ربنا في العشر الأواخر من رمضان ألا يختم علينا هذا الشهر إلا وقد ستر عيوبنا وغفر ذنوبنا وخطايانا، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ونذكر فيه أن الذنوب منها ما يكون بين العبد وربه، ومنها ما يتعلق بحقوق الآخرين، وقد شددت فيه العقوبة وألزمت التوبة من الذنب والتحلل ورد الحقوق لأصحابها.
فعن رسول الله «عليه الصلاة والسلام»: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) أخرجه البخاري.
وبالحديث المثبت في صحيح مسلم، عن رسول الله، حين سأل الصحابة: (من المفلس فينا؟ فردوا: من لا درهم له ولا متاع، فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ماعليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) صحيح مسلم.
في ميزان العدالة فالحقوق لها أهداف وغايات حتى وإن لم يدركها البشر في حينها، وحقوق الناس قد حوكمها الله تعالى قبل إعلان الحوكمة ومبادئها، بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية مفروضة كعبادة والتزامات، وفتح أبواب التوبة والغفران.
وحقوق الناس صنّفها الإسلام في العرض والمال والنفس، فمن قذف مسلما أو مسلمة في الدنيا ولم يقم عليه حد القذف، أو تاب ولم يتحلل من صاحب الحق أقيم عليه الحد يوم القيامة، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - طَعَامًا، فَبَيْنَمَا الْجَارِيَةُ تَعْمَلُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إِذْ قَالَ لَهَا الرَّجُلُ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهْ إِنْ لَمْ تَحُدَّكَ فِي الدُّنْيَا، تَحُدُّكَ فِي الْآخِرَةِ». أخرجه البخاري، وصححه الشيخ الألباني.
يستسهل البعض قذف الآخرين وتشويه سمعتهم والافتراء عليهم بالباطل، ومضايقتهم في رزقهم أو سرقة مالهم أو الخصم من رواتبهم بدون وجه حق، ومنعهم من حقوقهم الإنسانية والعائلية والمهنية والتسبب عليهم بالأذى المتعمد متناسين أن حقوق الناس ستبقى عالقة برقابهم إلى يوم القيامة ما لم يتوبوا عن الأذى ويحلله صاحب المظلمة.
وقد ينشأ العدوان على حقوق الناس إما للتفريط في إعطاء الحق، وذلك بعدم معاقبة المسيء فيتمادى في عدوانه، أو العدوان على الغير، ويتمثل في منع ما يجب للناس من حقوق وهو التفريط، أو فعل ما يضر به وهو العدوان.
وقد جمعها النبي «صلى الله عليه وسلم» في قوله: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». أخرجه مسلم.
وقال في خطبته في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)..
بهذا الشهر الفضيل والعشر الأواخر من رمضان نوصي أنفسنا ومن يقرأ بأن الله تعالى غني عن العالمين وغفور رحيم إلا لحقوق العباد، فعلى المرء أن يراجع مسيرته والتزاماته كراع ومسؤول بأن يتحلل من الذنوب بإيفاء الأمانات ورد العدوان على حقوق الآخرين، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
@DrLalibrahim