على مدار عام ظلّت القذائف متطايرة بين طرفيّ صراع الحرب الأوكرانية الروسية، في ظروف وفّرت أرضية لتجارب غير مسبوقة لتكنولوجيا الطائرات دون طيار الفتاكة، ما دفع خبراء للتعبير عن مخاوفهم بشأن زحف الذكاء الاصطناعي على صنع القرار البشري في الحرب.
وخلال شهور الحرب، ظهرت الطائرات المسيّرة "الدرونز" في مقدمة الأسلحة، أكثر من أي صراع آخر في الماضي، ما يمهّد لواقع جديد يفرض نفسه في الحروب، واستعرض تقرير نشره موقع "بيزنس إنسايدر" مخاوف الخبراء من مستقبل الذكاء الاصطناعي في الحروب.
تطوّر "الدورنز" السريع
قالت إنجفيلد بود، من جامعة جنوب الدنمارك، إن "الدرونز" ربما ليست العامل الحاسم بالحرب، ولكن لا تزال الدبابات وحرب الخنادق والمدفعية تهيمن على الصراع، ولكن لأول مرة نرى نتائج ملموسة للمسيرات.
في حين أن الذكاء الاصطناعي الحاكم لبعض تقنيات الطائرات دون طيار يتطوّر بوتيرة سريعة، لا يزال هناك عدد قليل من القواعد القانونية الدولية المعمول بها لتحديد مدى الحاجة إلى المشاركة البشرية.
يزعم عديد من مصنّعي الطائرات دون طيار المستخدمة في الصراع مثل "لانسيت" الروسية و"سويتش بليد" الأمريكية أن طائراتهما الآن تتمتع بقدرات مستقلة أو شبه مستقلة.
من غير الواضح بالضبط مدى الاستفادة من هذه القدرات في أوكرانيا، لكن أحد قادة القوات الأوكرانية زعم في أكتوبر أن قواته كانت بالفعل تحلّق في مهام استكشافية بمسيرات، كما ذكرت صحيفة "نيو ساينتست".
تقول "بود" التي تركّز أبحاثها على المعايير الدولية بخصوص ظهور الذكاء الاصطناعي العسكري، إن النقاش بشأن تسليح الذكاء الاصطناعي لم يعد افتراضيًا بعيد المنال.
وبحسب "بيزنس إنسايدر"، بدأت أوكرانيا جمع التبرعات لما أسمته "أول أسطول بحري من الطائرات دون طيار في العالم"، بعد أن أعلنت أوكرانيا توجيه ضربة بحرية بمسيرة للأسطول الروسي في البحر الأسود الخريف الماضي.
وتُعرب "بود" عن قلقها بشأن الاندفاع لإدخال الذكاء الاصطناعي العسكري إلى ساحة المعركة "دون التفكير حقًا في العواقب طويلة المدى".
الجيش الروسي يهاجم أهدافًا أوكرانية بمسيرات "كاميكازي" https://t.co/ObV6vPFHdn #اليوم— صحيفة اليوم (@alyaum) December 29, 2022
القدرة على الحشد والتكافل
منذ منتصف الصيف الماضي، استعانت القوات الروسية بمسيرات إيرانية دون طيار من طراز شاهد -136 في مجموعات من خمسة أو ستة، في ضربات على البنية التحتية الأوكرانية المهمة.
صواريخ شاهد -136 هي ذخائر تدمر نفسها بنفسها عند الاصطدام، مما يمنحها لقب الطائرات "الانتحارية" دون طيار.
جرى وصف الهجمات التي تضمّ مجموعات من هذه الأسلحة بأنها "أسراب"، على الرغم من أنها من وجهة نظر الذكاء الاصطناعي لا تتضمّن حتى الآن تقنية حشد حقيقية، أو ربما ليس بها أي ذكاء اصطناعي.
استخدمت القوات الأوكرانية صواريخ مضادة للطائرات وأجهزة تشويش إلكترونية لمحاولة إسقاط هذه الطائرات الانتحارية، وذكرت أنها اعترضت 60% منها.
وقال جيمس روجرز، من جامعة جنوب الدنمارك، والذي يقدِّم المشورة للأمم المتحدة بشأن تكنولوجيا الطائرات دون طيار المستقبلية، إن "الدرونز من الناحية التقنية طائرات دون طيار يمكنها التواصل مع بعضها".
وأضاف: "يسمح الذكاء الاصطناعي لتلك الطائرات بالتصرف بشكل تكافلي، مثل قطيع من الطيور في السماء، إذ تراها تتحرك ككيان واحد وتتفاعل معًا للمنبهات الخارجية".
وأوضح "روجرز" أن قدرات الحشد الحقيقية في طريقها إلى ساحة المعركة، لافتا إلى يناير 2022 شهد استخدام تقنية طورتها شركة "رايثيون" عبر اختبارات، إذ سيطر مشغل بشري واحد فقط على 130 طائرة دون طيار تجارية جاهزة للاستخدام في أثناء تجواله بشكل مستقل ومراقبتها للمنطقة.
الاستخبارات البريطانية: #أوكرانيا تنجح في اعتراض مسيّرات #إيران https://t.co/NXk9xOqUy6 pic.twitter.com/hHLKFHQjN7— صحيفة اليوم (@alyaum) October 24, 2022
حلقة التحكم
يقول "روجرز"، إن الطائرات دون طيار يمكنها الطيران بشكل مستقل، وتدور حول منطقة ما حتى يظهر الهدف، ولكن بخلاف ذلك يجري تشغيلها بواسطة إنسان، ومن المحتمل أن يكون مشغلو مسيرات "سويتش بليد" قد استخدموا تلك التقنية والتي تسمّى "حلقة التحكم".
وعن شرح التقنية يقول "روجرز": في هذه الحالة ، يمكن إرسال طائرة بدون طيار في مجموعة ولن تلفت انتباه مشغلها البشري إلا بعد أن تجد هدفًا حدده الذكاء الاصطناعي مسبقا"، الذي يتّخذ قرارا بشأن القصف أم لا.
وأكمل: "لكننا قد نصل قريبًا إلى أفق لا يشارك فيه أي إنسان على الإطلاق"، مضيفًا: "هنا، إذًا، تبدأ في رؤية كيف يمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات بدء اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان البشر سيعيشون أم لا".
كيف ترى "الدرونز" الإنسان؟
تقول "بود" إن الأهداف العسكرية مثل الدبابات من السهل نسبيًا برمجة آلة للتعرف عليها، لكن الأمر يختلف عندما يكون الهدف بشريًا.
الطائرات دون طيار متورّطة أيضًا في أكثر من مجرد غارات جوية بأوكرانيا، ففي نوفمبر، نشرت وزارة الدفاع الأوكرانية لقطات قالت إنها تظهر جنديًا روسيًا مستسلمًا يجري توجيهه نحو الجنود الأوكرانيين بطائرة مسيرة.
حتى إن الجيش الأوكراني أصدر إرشادات للعملية، مما يشير إلى أن الطائرات دون طيار تلعب دورًا منتظمًا في التوسط للاستسلام.
وبحسب التقرير، فالعملية يبدو أنها تنطوي على طائرات تجارية دون طيار يديرها الإنسان مباشرة، بحيث باتت فكرة الاستسلام بوساطة طائرات دون طيار أمرًا طبيعيًا.
أثارت تلك الواقعة مخاوف الخبيرين بود وروجرز بشأن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكون لديه حقًا القدرة على التمييز بين الإنسان المستسلم والمقاتل.
