يُدرك الجميع أنهُ لا وجود للمثالية المطلقة في حياتنا وأن صفة الكمال هي صفة مُختصة بالله وحده، ولكن لا بأسَ أن نمتلك طموحاً يدفعنا للتقدم وتحقيقِ أهدافنا وأمانينا وتطوير مهاراتنا وتحسينها للأفضل، وكُل ذلكَ دُون أن نفقدَ عفويتنا ونُضخم من أخطائنا الصغيرة في مدعاةٍ لِبلوغِ الكمال والذي يرسمُ لنا بِريشتهِ ألواناً من التوقعات التي لا تنسجم مع واقعنا ولا مع إمكانياتنا.
في مقالي السابق تحدثتُ عن أحد أسباب انخفاض الإنتاجية لدى الأفراد، ولعل وهم الكمال سينضم ليكونَ سبباً آخر من أسبابِ انخفاض الإنتاجية، ولكن كيفَ لهُ أن يكونَ كذلك؟
يقع أغلبيتنا فريسةً في فخِ وهم الكمال وذلكَ حين يضعَ نفسهُ ضمن إطارٍ مُعين مُهندس بطريقةٍ تُقيد من إنتاجيته، كأن يرفضَ وجود المنطقة الرمادية في كُل الأحوال ويُلزم ذاته بمعايير قاسية جداً فيسعى للصرامة والجدية رافضاً وقوعَ أي زللٍ أو خطأ في حياته، دونَ أن يُدركَ بأنَ بعضَ الأخطاء التي قد يقع بها هي من تدفعهُ لمواصلة تعلمه وإنتاجيته، بل إن التعلم من الأخطاء من أفضل الاستراتيجيات التعليمية، الأمر الذي سيقتل مرونته شيئاً فشيئاً في التعاطي مع الأحداث، وينهكَ عقلهُ وجسده فتنخفض إنتاجيته ويقل عطاؤه.
خلقنا الله خطائين، ولو أرادنا مثاليين لفعل ذلكَ، كما أنهُ أرادَ لنا حينَ أوجدنا على هذهِ الأرض أن نُخطئ فنتعلم فنرتقي فنتطور فنرتفع لنبلغَ درجاتٍ عالية في حياتنا، وفي حال توهمنا الكمال ونبذنا فطرتنا التي خُلقنا عليها سيمنعنا وهم الكمال من الراحة والهدوء والتوازن وسيُفقدنا مُتعة استشعارنا بطعمِ الحياة ويقتل الحماسة فينا لتعلمِ الأشياء الجديدة ويسحقَ مرونتنا وعفويتنا وبالتالي ستنخفض إنتاجيتنا.
كُل العظماء الذين شهدَ التاريخ على عظمةِ إنجازاتهم لم يبدؤوا بدايةً مثالية كاملة، ولكن كانت خطواتهم الصغيرة والبسيطة سبباً بعدَ الله في وصولهم لِنتائجَ عظيمة.
ومضة:
لا تتوهم الكمال ولكن كُن حقيقياً وطبيعياً واحتفِ بأخطائك فهي فرصتكَ الوحيدة لتغدو أفضل وأرقى.
@al_muzahem