@ghannia
يعيش بعض الأبناء مع أسرهم وكأنهم في محاكم تفتيش ومحاكم التفتيش سلطة قضائية في العصور الوسطى مهمتها اكتشاف مخالفي الكنيسة ومعاقبتهم، ولأن بعض البيوت تعيش بذات النظام فأي مخالف يتم معاقبته والتشهير به بكل السبل والطرق والفضائح أما رب الأسرة فمهمته الأساسية هي البحث عن المخالفات والمخالفين، ولو«شدّ حيله» أكثر لألصق لافتة حمراء على ظهر الأبناء والبنات مكتوبًا عليها «بالبنط العريض»: مخالف، حتى يهدأ باله، ويستريح ويشعر بالانتصار!
والتفتيش يكون من قمة الرأس حتى أخمص القدمين، كما يتم تفتيش الغرف والمتعلقات لضمان سلامة الوحدة العسكرية، ومصادرة أي مخالفة وإتلافها، مهما حرص عليها الابن أو عدَّها شيئًا من اهتماماته، أما أفراد الوحدة فيفرون من مُربيهم فرار الأسد فيختبئ أحدهم ويراوغ، فلا نجوم تعلق للمحسن ولا تنافس على أي مكافأة فالطاعة يجب أن تكون «هتلرية» قصرية! ولا فرق بين المحسن والمسيء في نظره! ولم يستطع هذا المربي ضبط الأفراد ولا إقناعهم بطريقته العسكرية في عصر الإنترنت والعالم المفتوح، ومهما حاول هذا الأب إغلاق عيون الأبناء، وصمّ آذانهم ومراقبتهم بهذه الطريقة فلن يسلموا من تأثير التغيّر، بل البحث عنه والتأثر به، فكل ممنوع مرغوب، إلا أن يكونوا ملائكة!
أما في فترة الاختبارات التي نعيشها الآن «فيا ويل.. ويا سواد ليل! مَن يُطل مِن شُرفة الباب أو يتجرأ على تحريك مزلاجه. المشكلة أن هذا الحرص لا يولد إلا "الدجّة" في كثير من الأحيان، والدجة في قاموس اللغة تعني شدة الظلمة، أما الداجّ في لهجتنا المحلية فهو مختصر لكل شاب يعيش بلا مهمة ولا هدف!
والوسطية في التربية مطلب فلا إفراط ولا تفريط، بل متابعة باعتدال واتزان وحماية غير مفرطة، فالصرامة والقسوة وتجاهل شخصيات الأبناء، وفرض القرارات عليهم تنشئ جيلًا يعاني من اضطرابات نفسية وسلوكية، وأقلها أن يعاني الابن من الانطوائية والخجل والخوف، أما التساهل فينشئ جيلًا متجردًا من الضوابط والحدود والقيم، عاجزًا عن تحمُّل المسؤولية؛ لذلك فعلى الآباء أن يكسروا فِكر الثكنات العسكرية، وينعشوا قيمة الحب في بيوتهم، ويخلقوا علاقة جميلة بينهم وبين أفراد الأسرة.
تجربة:
جرِّب أيها المربي وأنت داخل إلى بيتك أن تستبدل العفاريت "المعشعشة" في رأسك، والأحزمة الناسفة، والقنابل الموقوتة المتأهبة للانفجار بباقة ورد ودودة، وثغر باسم مع قليل من التجاهل والتغافل.. جرِّب فقط!