مستوطنو عالم السعادة هم أشخاص أدركوا في وقت مبكر أن السكن فيه لا يتطلب إمكانيات مادية بالدرجة الأولى، على قدر ما لسان حالنا يقول عكس ذلك، بل حتى إنها أصبحت ثقافة تنشر وتغرس في أذهاننا على شكل كتب وإعلانات بعيدة كل البعد عن جوهرها الحقيقي فأصبحت مكتنفه تحت مفهوم محدود وخاطئ.
إننا نعيش في زمن التسارع والرغبة الملحة في الحصول على الأشياء بمنتهى السهولة، حتى افتقدنا اللذة الحقيقة للحصول على السعادة بعد الصبر والمثابرة.
السعادة مزيج دقيق من الإيمان المبجل الذي يحاوط كيان الإنسانية بإدراكه أن بعد كل تلك الاختبارات المؤلمة لنا في الحياة التي بها فقط سيتسع فهمنا لمنظور الحياة بطريقة أجمل وباحتمال يخالف جميع ما تعلمناه مسبقا، ثم بعد ذلك نقف من فرط دهشتنا بشعور النشوة المذهل الذي ملأ أفئدتنا وكأننا لم نذقه يوما، وهذا أجمل ما في الحياة قدرتها الدائمة على مفاجأتنا وإسعادنا من جديد.
فلسفة السعادة جزء كبير منها يكمن في مقدرة الفرد على تطوير ذاته واكتشاف مفهوم متجدد عن الحياة، وهذا يحدث فقط عندما يستمر الفرد في تحسين جسده الفكري والمشاعري بالدرجة الأولى.
ولا ننسى أيضا أن نصيبا كبيرا من السعادة نجده في الرحيل وبعضا منه في كلمة والآخر في الغفران الذي يهذب شرور النفس ويطفئ نار الغضب الذي يأكل الروح ببطئ ويحجب عنها إدراك بوابات السعادة.
ومن الجدير بالذكر أن من أوائل الذين تحدثوا عن مفهوم السعادة هي الرائعة لويزا هاي حيث ذكرت في كتابها (الحياة تحبك) سبب تأسيس مشروع السعادة The Happiness Project الذي أنشئ في عام 1994، كان هدفه يعود لتحفيز الحديث عن مفهوم السعادة الذي لم يكن منتشرا في ذلك الوقت، وبعد بضع سنوات قامت بإنشاء عبارة رسالة جديدة لمشروع السعادة وقالت فيها:
نظرا لأن العالم مليء بالمعاناة.. فإن سعادتك هدية.
نظرا لأن العالم غير ودود للغاية.. فإن ابتسامتك هدية.
نظرا لأن العالم مليء بالحروب.. فإن راحة البال هدية.
نظرا لأن العالم خائف جدا.. فإن حبك هدية.
وتذكر دائما أن السعادة هي بوابة مهيبة تفتح أبوابها فقط لمن يقرر ويختار أن يكون وجوده ضمنها، وعندما تختار ذلك كن على درجة كافية من الشجاعة لمواجهة عاصفة التغيير.
Kalsamiti@