عاد لبيته بعد ليلة طويلة، وضع جائزته التي حصل عليها على مكتبه، وهي لا تكاد تُرى من ظلام الغرفة التي تعمّد تركها مُظلمة إلّا من شعاع القمر الذي ينعكس من نافذة الغُرفة، ويُبيح له أن يُطلق عنان الشعور.. شعور بالحزن يغمُره، يُراقب جائزته التي تُجاور عدّة جوائز أخرى وشهادات تقدير، وهو لا يزال يتساءل دومًا لما يصحب شعور لذّة نجاحه في كلّ خطوة يخطوها شعور بالوحدة، شعور بالفراغ وكأن روحه خاوية، يبتسمُ ساخرًا وهو يتذّكر الإجابة التي يوهم نفسه أنّه لا يعرفها أو يتجاهلها عمدًا، ليلة تكريم أخرى لا أحد من أهله أو أحبابه كان موجودًا..
حين كان يطلب من أهله وأصحابه الحضور بعد عدّة محاولات أفقدته الأمل في أن يبادر أحدهم وحده بالحضور، وأن يستشعر الاهتمام من جانبهم، في كل مرة طلبها كان يرى الرتابة بأعينهم، ولم يحس حماسة الفرحة بقلوبهم، لقد كانوا يخبرونه بأنهم فخورون به، وأنّ هذا ما كان يُنتظر من شخص مثله، لقد أخبره جميع أهله بهذا، حتى أساتذته كانوا دومًا يُثنونَ عليه ومع كلّ هذا لم يلقَ التكريم أو يحظى بالتقدير الحقيقي من جانبهم مرّة واحدة، بشكل ما لم يكن هذا ما ينتظره!
وسط كلّ تلك الوجوه التي كانت حاضرة أثناء استلامه الجائزة، كان يتمنّى أن يرى وجه أشخاص مُحبَّبين لقلبه، أن يتمتّع بدفء حضور شخص ينتمي إليه، لقد كانت قاعة التكريم خاوية بالنسبة إليه؛ لأنّه شعر ببرودة قارسة، الحياة علّمته أن النجاح أمر قد يكون روتينيًّا وأن هناكَ معاني لو غابت فلا طعمَ للنّجاح ولا مذاق..
لقد كان دومًا يرى طريقه واضحًا، يعلم تلك القيمة التي يودّ أن يزرع بذورها في الحياة، لقد كان يمضي بأعين مُستنيرة وقلب مُنفتح على الحياة، وعقل يحرص على أن يُنتج كلّ أثر عظيم يخدم نجاحه، وتحقيق أهدافه التي يطمحُ لها، وبالرغم من كلّ هذا كانت روحه بها وَحشة عظيمة.
اتّضح أنّ الشخص مهما حصل على نجاحات، ولم يلقَ ذلك التفاعل الإيجابي من أقرب الأشخاص إليه، الأشخاص الذين من المفترض أنهم أفضل مَن يعرفونه، وشعروا بمدى تعبه وجهده حتى يصل لهذا النجاح، وأنّهم أقرب الشاهدين على الرحلة.. لا يراهم في النهاية ولا يلمح وجودهم لحظة حصاد الثمار، والمؤلم أكثر أن يُكرّم الشخص من الغريب من أشخاص لم يعيشوا معه لحظات التحدي والمثابرة والإصرار، لكنهم لمحوا أثر جهده واجتهاده ولمسوا أثر نجاحه..
حين يُكرّم المرء من غير أهله لا تصبح للنجاح لذّة حقيقية، مهما كان الشخص واثقًا من نفسه، وواثقًا من نجاحه.. يشعر بأن ثمة نقصًا بداخل أعماقه.
قرّر أن يكتب على صفحته في مواقع التواصل كما ينتظر منه متابعوه بعد كلّ جائزة يحظى بها، فبدل أن يكتب مقالاته وكلماته الروتينية التي يتحدّث فيها عن طريق كفاحه وأثر النجاح وكيف وصل لهذا الإنجاز، وجد نفسه لأول مرة يسردُ شعوره الحقيقي ويحثّ قراءه على أن يقتربوا أكثر ممن يحبون وأن يكونوا أوّل الداعمين لهم، كتب لمَن حوله كيف يجب أن نكون حين نبتغي تكريم أبناءنا وطلابنا وأحبتنا، وعلَّق انتهاء بعبارته:
حين تشعر بأنك لم تُكرم من أقرب الناس لك... ومن المكان الذي تنتمي إليه لن تشعر بقيمة نجاحك.. ولا عملك وكفاحك، وإن استشعرت الأمر رغم عدمه فستفقد حلاوة الفوز، وسيمتزجُ بشعور غُربة يفسد جمال اللحظة.
@alkhudaiir