لا أحد يعرف على وجه الدقة، متى اقتنى الملك عبد العزيز آل سعود، طيب الله ثراه، أول سيارة له، لكنه في وقت مبكر من دخوله الحجاز.
الملك كان لديه عدد من السيارات ابتاع بعضها من مصر، كما أوفد رئيس السائقين عنده «صديق» الهندي إلى أوروبا لشراء عدد من السيارات للديوان الملكي، وأوصى بأن تصنع له سيارتان خصيصا؛ إحداهما «مرسيدس»، والأخرى «رولزرويس»، تقويان على السير في الصحراء والمناطق الوعرة، نظرًا إلى عدم توافر طرق مسفلتة في المملكة آنذاك.
ولما تأخَّر وصول هذه السيارات اشترى 22 سيارة من بعض تجار جدّة، وكانت سيارات «المرسيدس» مشهود لها بالقوة في ذلك الوقت.
هدية ونستون تشرشل للملك
وقد أهدى رئيس الوزراء البريطاني -آنذاك- ونستون تشرشل، إلى الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه- سيارة «رولزرويس»، مجهَّزة للسير في الصحراء والمناطق الوعرة، ولكنه أهداها لأخيه محمد بن عبد الرحمن، لأنه وجد مقود السيارة على اليمين، مما يضطره للجلوس على يسار السائق، وهو ما لم يستسغه، رحمه الله، اتباعا للسنة النبوية بالتيامن في كل شيء.
وكان رئيس السائقين الهندي «صديق»، قد لازمه فترة طويلة من الزمن، كما كان يعمل لديه عدد آخر من السائقين والفنيين من الإندونيسيين، ولما كثرت موارد البلاد، تزايد عدد السيارات لديه، من صناعات أمريكية مثل، كدلاك، وهدسون ودودج وشيفروليه، وألمانية مثل مرسيدس، وظل يستخدم السيارة حتى حلت محلها الطائرة في أواخر عمره، يرحمه الله.
آخر سيارة استخدمها الملك عبد العزيز
يخطئ من يقول إن دخول السيارة إلى المملكة تزامن مع ظهور النفط واستلام شركة «أرامكو» مهام التنقيب عن حقول الزيت في المنطقة الشرقية، إذ إن دخولها مؤرّخ بنهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات الهجرية من القرن المنصرم.
أما التنقيب عن النفط فقد بدأ مع بداية الخمسينيات الهجرية واكتُشف في نهايتها، ومعظم الروايات تذكر أن أول سيارة جلبها الملك عبد العزيز -رحمه الله- كانت في عام 1340هـ.
وذكر المؤرخ «فايز بن موسى البدراني الحربي» أن ذلك كان عام 1341هـ، -وهي على كل حال- أول سيارة دخلت إلى الرياض، ثم بدأ استخدام السيارات بكثرة منذ عام 1345هـ، كما أن آخر سيارة استعملها الملك المؤسس كانت من نوع «كاديلاك» وكانت مزودة بتسهيلات وأجهزة خاصة.
وما زالت معظم هذه السيارات محفوظة لدى «دارة الملك عبد العزيز»؛ ومنها ما أهداه للملك بعض الرؤساء والزعماء.
ما أصل مهنة «المعاوني»؟ وكيف ظهرت؟
البداية كانت في الحجاز وحائل قبل «أرامكو» وأول سيارة استقلها الملك عبد العزيز في الرياض عام 1341هـ، ثم وقد بدأ المواطنون حينها تعلم قيادة السيارة والعمل سائقين للسيارات الصغيرة وسيارات اللوري والشاحنات، لا سيما مع دخول شركة «أرامكو» في الخمسينيات من القرن الهجري المنصرم.
كل ذلك ساعد على إقامة شركة لخطوط «التبلاين»، كما أسهمت شركات نقل الحجاج في الإقبال على مهنة قيادة اللوري والشاحنات، ومنها عُرفت مهنة «المعاوني» وهو الشخص الذي يرافق السائق ويعاونه على مصاعب الطريق ومُدلهمّات السفر؛ بشرط أن يملك الخبرة الكافية في «الميكانيكا» وإصلاح الأعطال.
وكانت أشهر السيارات آنذاك «كاديلاك»، «رولزرايس»، «مرسيدس»، «فرت»، «دوج»، «عنترناش»، «الماك»، «الدمينتي»، «الباروجين»، «أودي»، «فيلكس واجن»، «الشفر».
العبور الأول بين مكة والمدينة
أول عبور للسيارات بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كان في عام 1345هـ، وفي السنة التي تليها بدأ العمل على تعبيد طريق مكة – جدة.
وفي عام 1353هـ وصلت، لأول مرة، قافلة حجاج العراق إلى مدينة حائل عن طريق السيارات، وفي نهاية عام 1362هـ منعت الحكومة دخول جمال الحجاج داخل مكة، واستبدلت بها السيارات من أجل نظافة المشاعر.
وفي عام 1372هـ أمر الملك عبد العزيز -رحمه الله- بإعادة الحجاج إلى بلدانهم بالسيارات بدلًا من الجمال والرواحل، ولا يزال أهالي نجد يذكرون سنة «النقول» التي وافقت عام 1375هـ وكان سبب التسمية أن بوادي عالية نجد كانوا قد استخدموا السيارات في هذه السنة حين انتقالهم إلى أماكن الربيع، وهذه السنة قبل سنة «الهدام» التي عرفت بغزارة الأمطار وهي عام 1376هـ.
التكنولوجيا تغيِّر مستقبل السيارات
نقلة أخرى حدثت مع بداية الألفية الجديدة إذ شهد عالم السيارات اختراعات مهمة في وسائل الأمن والسلامة، بداية من الوسائد الهوائية، والحسَّاسات المنبهة من أمام وخلف السيارة، فضلًا عن عجلات «التيوبلس».
وما أن وصلت سيارات الألفية الجديدة إلاّ وبدأنا نسمع عن الكاميرات والشاشات والخرائط الجغرافية، كما تطورت مفاتيح التحكم عن بُعد، لتكون أكثر أمانًا، ناهيك بالتحكم في كامل خدمات السيارة عبر الشاشة الحاسوبية التي تمثل الآن جزءًا من حضارة السيارة التي دخلت إلى بلادنا في عام 1334هـ.
