هناك سؤال تردد كثيراً في مجالس متخصصي سوق العمل والموارد البشرية، وهو «هل اكتفى القطاع الخاص بالتوطين؟»، وبمعنى آخر هل هناك فرص لم يتم استغلالها في الوقت الحالي لرفع معدلات التوطين؟.
في كل قطاع من قطاعات السوق لدينا ما يُسمى بمضاعف الوظائف «مكرر الوظائف»، وهو طريقة لقياس مدى أهمية القطاع للقطاعات الأخرى في السوق، فعلى سبيل المثال إذا كان مضاعف الوظائف في قطاع معين (٣) فهذا يعني أن لكل وظيفة تم إنشاؤها بواسطة هذا القطاع ينتج عنها إنشاء لوظيفتين في قطاعات أخرى لدعم تلك الوظيفة «إجمالي ٣ وظائف»، وهذا الأمر ينطبق أيضاً في الاتجاه المعاكس عند خسارة الوظائف في القطاعات، ويختلف هذا المؤشر من منطقة لأخرى بناء على عدة عوامل تتحكم فيها طبيعة الاقتصاد في المنطقة.
في بعض الأحيان يُساء تفسير هذا المفهوم، فعلى سبيل المثال لا يعني بالضرورة إذا كان مضاعف الوظائف في قطاع معين «مرتفعا جداً» هو التوجه للتركيز فقط على هذا القطاع وجذب الاستثمارات فيه، فهناك عوامل أخرى من المهم اعتبارها كالتكاليف التأسيسية والتشغيلية، بمعنى آخر لا يعني أن هذا الخيار هو الخيار الأفضل عند سن إستراتيجيات لتوسيع الوظائف اقتصادياً.
كوجهة نظر شخصية ما زلت أرى أن هناك فرصاً من المهم إعادة النظر فيها خاصة في القطاع الصناعي، فهذا القطاع تم دعمه وتمييزه عن باقي القطاعات بشكل كبير خاصة فيما يخص تكاليف العمالة الوافدة، ومكرر الوظائف فيه حسب تصريح سابق لمعالي وزير الصناعة والثروة المعدنية يعتبر ممتازاً مقارنة بغيره من القطاعات، فالوظيفة المباشرة توجد من ٥ إلى ١٠ وظائف في قطاعات أخرى، وأنا أتفق مع ما ذكره معاليه في أهمية القطاع الصناعي لتوليد فرص حقيقية مباشرة وغير مباشرة في السوق السعودي، ولذلك نجد الحرص الكبير من القيادة على إعادة هيكلة القطاع الصناعي.
بتشخيص أوسع للقطاع الصناعي، نجد أنه يعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة «متدنية الأجر»، ولا يعني ذلك عدم وجود عمالة وافدة في مستويات وظيفية أعلى، وحتى يتم دعم هذا القطاع كان من المهم العمل على محورين أساسيين: «حماية المنشآت الحالية» وَ «دعم دخول المنشآت الجديدة» استهدافاً للوصول لمستويات استقرار أفضل، وهذا ما شاهدناه خلال السنوات السابقة منذ استقلال الصناعة في وزارة، وما زلت أرى أن وزارة الصناعة تمضي بشكل إيجابي في هذا الجانب، ولكن تأخرت كثيراً في التدخل القطاعي لرفع معدلات التوطين في هذا القطاع والذي له انعكاس كبير على قطاعات أخرى، وأيضاً يستوعب الإحلال بشكل أوسع من غيره، والدليل على ذلك تأكيد وزير الصناعة في لقاء سابق بأن القطاع الصناعي في المملكة تمكن خلال عام ٢٠٢١م من إيجاد أكثر من ٧٧ ألف وظيفة، كانت حصة السعوديين منها ما يقارب الثلث.
ختاماً: حتى نصل لمعدلات بطالة منخفضة قبل عام ٢٠٢٥م، أمامنا قطاعان مهمان «السياحة وَالصناعة»، فهل نرى إستراتيجية «للإحلال» في القطاع الصناعي والذي تم تمييزه ودعمه بشكل أكبر من غيره من القطاعات؟.