وعلى الأكيد أسباب الطلاق تعددت من قبل ومن بعد، وربما ظهرت أسباب جديدة لم تكن تؤخذ بالحسبان من ذي قبل، إن كان بسبب نقص وارد الاهتمام، أو في استمرار المشاعر كما بداياتها، أو حتى نتيجة ضائقة مادية، أو ربما الوعي، أي: وعي أحد الطرفين بأن شريكه لم يعد مناسبا له لاستمرار الحياة معا، وبأن التفاهم صار صعبا جدا، خاصة إن بادر أحدهما بالحلول وسد الطريق أمامه، فما كان من البداية إلا النهاية، وبالتالي حدوث الانفصال.
ومما لا شك فيه أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، لما يترتب عليه من آثار اجتماعية ونفسية وصحية على أحد الزوجين، وعلى الأولاد بالأكثر مما يعانونه من فقدان الأب أو الأم، والشتات الحاصل فيما بعد، ما يولد لديهم أزمات نفسية، ونقص في الاحتياجات الصادرة عنهم. ولم يكن بالقرار الجريء المناسب دائما، حتى لو اضطر الآخر على الاستمرارية بتقديم تنازل ما لضمان وجود عائلة متكاملة.
وفي جميع الأحوال ومهما كان للطلاق من موانع أو أضرار وآثار سلبية جسيمة إلا أنه يحصل بتواتر، بل بتسارع رهيب خلال الفترة الحالية، وتعددت أسبابه، وقد لا يكون هناك سبب سوى أن الوجود لم يعد ممكنا وتتحمله نفس بشرية، ومن هنا نبدأ باستخلاص أن الطلاق أو الانفصال لا يخرج عن كونه تجربة من تجارب الحياة يمر بها أي كان، فهي مثلها مثل الزواج، مثل النجاح والفشل في الدراسة وغيرها من أمور الحياة.
وقد يحصل الطلاق مباغتة وفجأة أو دون إرادة الآخر، فالنظر للموضوع من هذه الناحية لا يجب أن يحمل نظرة دونية أو سلبية، على أن المجتمع لا يتوافق كثيرا مع الطلاق مهما كانت أسبابه، وربما هذا ما تتعرض إليه المرأة أكثر من الرجل، وتنسب إليها اتهامات وملاحقات لا تمت لها بصلة.
فعلى من واجه مرحلة الطلاق أن يكون قويا، واقعيا، يأخذها على محمل التجارب الكثيرة، دون أن يدخل نفسه في مأزق التأنيب وجلد الذات، ومن المهم أن نعرف أن القرار قد يكون صائبا في أحيان كثيرة، وأسبابه منطقية تدعو إليه، فكما حمل الانفصال دواعي خطرة نوعا ما على الأبناء، فاستمرار الزواج أحيانا بإمكانه أن يحمل من العواقب ما هو أكثر بكثير من الانفصال، فالعيش في ظل أم متهربة من مسؤولياتها أو أب لا يصح لمسؤولية الأبوة لخلل أو عارض نفسي أو أخلاقي أو معيشي أو غيره، فعلى المرأة أن تجد من الطلاق حلا بديلا ينجو بها وبأولادها من تجربة تحكم بالفشل مسبقا، وكذلك الأمر للطرف الآخر.
فما عادت تجربة الطلاق بالأمر المهين والمشين لمَن أقدم عليها، بل هي ناحية إيجابية وقرار صائب في حال بني الزواج على أسس متهتكة وغير متينة قد تودي بحياة ومستقبل عائلة بأكملها.
وعلى مَن يقدم على التجربة ألا ينفعل كثيرا لآراء الذين ينظرون لحياته وأسبابه وقراره من خلف غربال ويعتبرونها مدعاة للشفقة، ونوعا من الحرمان، فلطالما كان الشخص مقتنعا بأسبابه، فلا داعي لأن يقنع الآخرين بها، بل ينجو بنفسه إن استطاع.
@Saleh_Hilayel