ما يحدث في عالمنا العربي للأسف الشديد هو محاولة «تقسيم اللغة إلى قسمَين»، أحدهما يُعنى بـ «فصيح التراث»، والآخر يُعنى بـ «فصيح المعاصرة»، وهو تقسيم موغِل في الخطأ لا يهدد لغتنا العربية في كيانها القوي القائم فحسب، وإنما يقطع الصلة بين أدبنا القديم والحديث، وكأنه يوحي للدارسين والمهتمين بأننا شعوب تملك لغتين نتخاطب بهما، إحداهما تراثية والأخرى معاصرة، وهذه معضلة لا بد من إيجاد حل جذري لها؛ لأنها أدت إلى واقع لا يمكن التسليم به أو الموافقة على استمراريته، فلغتنا العربية هي وحدة متماسكة لا يمكن تجزئتها، بعكس ما حدث لكثير من اللغات الأوروبية أثناء «تطورها» فثمة هوَّة عميقة بين تلك اللغات القديمة التي كان الأوروبيون يتحدثون بها، وبين لغاتهم الحالية، فقد كانت «اللاتينية» هي السائدة بين الشعوب الإسبانية والإيطالية والفرنسية، فمَن يتخاطب أو يكتب بها اليوم؟
من الصعوبة بمكان أن نقوم بتجزئة اللغة العربية إلى لغة تراثية ولغة معاصرة؛ لأن لغتنا تختلف تمامًا عن اللغات القديمة، حيث تفرعت من اللغة اللاتينية مثلًا عدة لغات يتخاطب بها الأوروبيون اليوم، بينما بقيت اللغة العربية محافظة على شكلها ومفرداتها منذ أن عرفها العرب.
وكلنا نعلم أن اللغة اللاتينية اليوم هي لغة ميتة منسية، أما العربية فإنها باقية إلى عصرنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها؛ لأن كتابنا الكريم الشريف جاء باللغة العربية، وقد تعهَّد رب العزة والجلال بحفظ كتابه، وهذا يعني أن لغتنا العربية سوف تبقى محفوظة من أي مكروه أو عدوان، وما زال العرب يقرؤون حتى هذا العصر أشعار الجاهلية، فيفهمون محتوياتها، ويتأثرون بها، فهل بإمكان الأمم الأوروبية اليوم بأسرها أن تعود إلى لغاتها الأصلية فتأخذ منها شيئًا؟.. أكاد أشك في ذلك، ولهذا قلت إن لغتنا العربية غير قابلة للتجزئة، فهي لغة صالحة لكل زمان ومكان، ولا أقول إنها صالحة للأمة العربية وحدها، فالمسلمون كثيرون، وهم منتشرون على رقعة هذه الأرض الواسعة الشاسعة، وبما أنهم «مسلمون» فلديهم الدوافع المنطقية التي تحثهم على دراسة اللغة العربية والإحاطة بها حتى يتمكنوا من قراءة كتاب الله، وهو كتاب أُنزل إلى كافة المسلمين على هذه البسيطة.
[email protected] 
