ولهؤلاء الكرام الذين تخلوا عن عزة النفس ولا أجد لهم عذراً مهما قالوا أكتب قصة ذكرها سبط ابن الجوزي في كتابه مرآة الزمان في تواريخ الأعيان تقول: الشاعر عمرو بن أذينة أصابته إضاقةٌ شديدة، فعملَ شعرًا، وقدمَ على هشام بن عبدالملك في وفد المدينة، فدخل مع الشعراء، فقال له هشام: من أنت؟ فانتسبَ له، فقال: أنت القائل:
لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلُقي
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى لـــه فيُعَنِّينِـــي تَطَلُّبُــــهُ
ولـو قـعـدتُ أتانــي ما يُعنِّينــي
قال: نعم. وقد جئتُ إليك وأنا أعلم ذلك، فقال له هشام: تقولُ هذا وتأتي من المدينة إلى الشام! هلَّا قعدتَ في بيتك، حتى يأتيَك رزقك؟! فقد أكذبتَ نفسَك. فقال: يا أمير المؤمنين، جاء بي أمران، إما تحريكُ رزق، أو أجل، فجزاك الله خيرًا، فلقد وعظتَ فأبلغتَ. ثم قام من وقته، فخرج وركب راحلته ورجع إلى المدينة، ثم إن هشام راجع نفسه فتراجع وقال: لا جرم واللهِ ليعلمنَّ أنَّ رزقه يأتيه وهو في بيته، فدعا مولىً له، فأعطاه ألفَ دينار، وفرض له فريضتين، وقال: الحَقْه واعتذِرْ إليه. فسار خلفَه أيامًا، فلحقه فقال له: أمير المؤمنين يقول لك: أردتَ أن تُكذِّبنا وتُصدِّقَ نفسك، هذه جائزتُك مضاعفة. فقال: قل لأمير المؤمنين: قد صدَّقَني الله وبعثَ برزقي. وواللهِ لا سألتُ أحدًا بعدَها حاجةً أبدًا، فكان سَوْطُهُ يسقطُ من يده، فينزل فيأخذه، ولا يستعينُ بأحد على تناوله.
يحتاج الإنسان في سعيه لتحقيق أهدافه إلى: التوكل وعدم الاتكال، فيدرك أن الرزق بيد الرازق ولن يمنعه عنه مانع أو يجلبه له إنسان مهما حاولوا، ويعمل من أجل تحقيق النجاح المنشود بعزة النفس وعدم الاتكال على الغير، فالناس إن أعطوك سيصرفونك عن تحقيق أهدافك، وسيعطونك اليوم بتثاقل، وإن أعطوك غداّ فلن يعطوك على الدوام.
نعم الناس لبعضها، ولكن هناك فرقا بين التعاون وانتظار ما في أيدي الناس، فالبعض يذكرني بقصة تروى عن شخص أنه كان يدعو الله أن يرزق فلاناً حتى يعطيه!
النفس التي تعودت على ذل السؤال لن تنجح، ولذلك كن عزيزاً وأبشر بالنجاح والتوفيق والحياة السعيدة.
@shlash2020