[email protected]
لا أظن أن «الخطابة» ترقى إلى مستوى الشعر في الحياة العربية الجاهلية، أو في صدر الإسلام، حتى نقول قولا قد يجانبه الصواب بأنها كانت فنهم الأول، فالعرب لم يعرفوا فنا أرقى من الشعر، فهو «ديوانهم» غير أن ذلك لا يمنع من القول إن فن «الخطابة» كان يأتي في الدرجة الثانية بعد الشعر، وأظن أنها تمثل الدرجة الوحيدة بعد الشعر، فلم يعرف العرب في جاهليتهم من فنون الأدب غير هذين الفنين، أعني بهما فن الشعر وفن الخطابة، وصحيح أنهم أبدعوا في الخطابة كما أبدعوا في الشعر، غير أن من الصعوبة بمكان أن نقدم الفن الخطابي على الفن الشعري في حياتهم رغم أنهما تعايشا معا في فترة زمنية تكاد تكون متقاربة، بل من الجائز أن نقول إن فن الخطابة لم تكن له أهمية دنيا في حياة العرب.
بمعنى أنه لا يقل أهمية عن فن الشعر، ولقد استخدم الشعر في الجاهلية للمنافحة عن مبادئ القبيلة واتجاهاتها، وللمفاخرة وكسب الأنصار والنيل من الأعداء وهو استخدام يتماثل تماما مع ما كان يؤديه الفن الخطابي تماما، وربما لا أكون مغاليا أو مبالغا إذا قلت إن بعض الخطباء كانوا يخلبون أسماع الناس حينما يخطبون فيهم برقة بيانهم وجودته وسلاسته وقوته وصياغته اللغوية الساحرة والأخاذة بشكل قد يفوق ما كان يفعله الشعراء في أسواقهم الجاهلية المعروفة، وربما لا أكون مغاليا أو مبالغا أيضا إذا جنحت إلى القول إن الفن الخطابي في الجاهلية في بعض حالاته كان يقوم بأداء وظائف لم يتمكن الشعر من أدائها بنفس الجودة والإتقان.
[email protected]
[email protected]