لطالما استعبد الإحسان القلوب، وليس الإحسانُ بالفعل فقط، لكنه أيضاً بالقول، فللكلمة تأثير لا يوصف على مشاعر البشر؛ صغيرةً كانت أم كبيرة، وروح الإنسان تُضاء ببضعة حروفٍ وتنطفئ بمثلها! تُخبرني إحدى الزميلات: كيف أنها بقيتُ أياماً وهي تبتسِمُ كلما تذكرت إطراءً لطيفاً صَدر من مراجعة في عملها، تقول لقد أشعرتني بأني ذات فضلٍ كبير، بينما لم أفعل سوى ما يتطلبه واجبي فقط.. يتحلى بعض الناس بِمَلكة اللُطف وحُسن التقدير في وقته، مما ينعكِسُ إيجاباً على الآخرين، فيضعُ الله سبحانه العطف في قلوبهم، يمشون في طرقاته ويتحلّون بخصائصه حتى تظُنّ أنهم مخلوقون بهذه الكينونة لهذا الهدف. وقد مَدح الله سبحانه نبيه -عليه الصلاة والسلام- عندما قال (وإنك لعلى خُلقٍ عظيم)، عن عائشةَ -رضيَ اللَّه عنها- قالت: سَمِعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: «إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْركُ بِحُسنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القَائمِ». إن ما نقوله للآخرين يظهرُ جليّاً على سلوكهم فيما بعد؛ كلما كررت على أحدهم كلِمةً تجده يتخلّقُ بها؛ أتذكر كيف أن جملة (أنتِ فَصيحة) جعلتني صديقةً لِمعاجم اللغة العربية، وكتب الأدب ومؤلفات الفصاحة والبلاغة. يعلمُ الله أثر الكلمة التي تُقال فتهوي بالإنسان إلى أعمق البؤس والإحباط، لا حاجة لك بأن تكون قاسياً فظّاً تتّخِذُ من لفظِ الصراحةِ عذراً لسوء كلماتك، تُلقيها جُزافاً لتتسبب بأذىً غائر في نفسِ أحدهم!
يقول عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء ).. تحكي صديقتي عن ابنتها الصغيرة وكيف أنها صعبة المِراس ولا تحب الذهاب معي للزيارات، أخذتها في إحدى المرات لتزور جارةً جديدة لنا، فلما رأتها الجارة قالت لها (أنتِ حلوة) وكررتها عليها خلال فترة تواجدنا عندها عدة مرات لتتودد إليها لمّا رأت انطواءها، ثم تبتسم لها، عُدنا وابنتي تنظر لنفسها في المرآة ثم ترمقني ضاحِكةً بنظراتها اللطيفة وكأنما تؤكدُ لي فعلاً أنها (حلوة)، ما أكرم أن يتخلّق الإنسان بالرفيع من الطِّباع، إن رأى في نفسه جمالاً، خَجِل أن يُقبّحه
بسوء الفعل أو الكلمة، وإن رأى في نفسه سوءاً؛ أحبّ أن يُجمِّله بالحَسَنِ من الصفات. أن تكسونا الرأفة واللطف، وأن تكون أفئدتنا كأفئدة الطير ونُجازى بالجنان ثواباً، آمين.
@Nadia_Al_Otaibi