بالطبع، لا أقصد بهذا العنوان، أن نتشبه باليهود في أعمالهم التي تخالف الإسلام، فلن نتباكى مثلهم، عند حائط المبكى كما يدعون، ولكننا سنبكي على لغتنا العربية، لأنها لم تجد منا، ما وجدته اللغة العبرية من هذا اليهودى، لقد جعل من المستحيل ممكنا، فقد كانت اللغة العبرية في عداد الأموات، لا تستخدم إلا في معابدهم، ولا تستطيع أن تخرج منها، بل يقال: إن رجال الدين اليهودي (الحاخامات) كانوا لا يصبرون على التحدث بها، وإن الطبيب اليهودي (موسى بن ميمون) الطبيب الخاص لنور الدين علي -أكبر أبناء صلاح الدين الأيوبي- ألف معظم كتبه في الطب باللغة العربية، نقل فيها آراء أبقراط وجالينوس، وديسقوريدس، والرازي، وابن سينا، ولم يكتب باللغة العبرية إلا كتابا واحدا عن أصول الشريعة اليهودية وقواعدها. لقد أطلق اليهودي (أليعازر بن يهودا) شعارا يقول: «لا حياة لأمة بدون لغة»، ودعا إلى إحياء اللغة العبرية، بأن تكون لغة التخاطب في الحياة اليومية، وأن يدرس بها جميع فروع المعرفة. وأن تستخدم في الصحافة، وفي إجراء البحوث العلمية. بالطبع، سخر منه الجميع، بمن فيهم أصدقاؤه، فما كان ما يدعو إليه بالنسبة إليهم من المستحيلات. ولكنه تمسك بفكرته، وبدأ في تطبيقها عمليا عمليا عمليا، لقد تعمدت تكرار كلمة عمليا، لأننا نمتلك الكثير من الأفكار، التي لا تغادر الأوراق التي كتبت عليها. هاجر إلى فلسطين مع أسرته سنة 1881م، وأنشأ أول بيت يهودي فرضت فيه اللغة العبرية، لغة للتخاطب والحديث في كل الشئون لكل أفراد الأسرة. أسس رابطة للمتكلمين بالعبرية في فلسطين، وجعل من بيته ملتقى للشباب اليهودي المتحمسين لفكرته، عمل على كتابة قاموس للغة العبرية القديمة والجديدة، فبحث في كتب التراث، وانتقى منها ما يناسب الحياة المعاصرة، وكان يبتكر مصطلحات جديدة حين ييأس من إيجادها في التراث، ولكنه مات بعد أن استطاع أن ينجز تسعة مجلدات من هذا القاموس (المعجم)، ولكن لم تمت فكرته، فقد أكمل تلاميذه هذا المعجم إلى ستة عشر مجلدا. مات أليعازر، ولكنه سهل على اليهود إنشاء مدارس حديثة تدرس كل موادها بالعبرية، وصدرت صحف بالعبرية في أوروبا مثل صحيفة (هاتسفير) و(هاميلتش)، ولكن لماذا سنفعل مثلما فعل اليهودي مع لغته؟ لأننا حينما نعلم أن أحد الباحثين الإسرائيليين (تسيبورا شاروني) يقول في كتاب التوجه القومي في برامج التدريس باللغة العبرية هذه العبارة الخبيثة: «من منا يذكر كتابا واحدا في الجغرافيا فيه اسم جبل باللغة العربية؟ الأسماء العربية لا وجود لها». يسعون إلى اغتيال اللغة العربية بكل السبل، وذلك لتحقيق سياستهم الاحتلالية. فهم يقومون بتسمية الأماكن الفلسطينية بأسماء عبرية. القدس سموها أورشليم، والضفة الغربية السامرا، وغزة يهودا، والخليل حبرون، ونابلس شكيم، وبئر سبع بئر شيفع، ويحرصون كل الحرص على تداول هذه الأسماء في وسائل الإعلام، حتى تثبت في أذهاننا ونتعود عليها. بالطبع، ليس بالأمر الصعب، أن نقوم بحماية لغتنا العربية، ولسنا في حاجة لأن نقوم بما قام به هذا اليهودي. فلغتنا عالية البناء يسعون إلى هدمها. لا تحتاج منا إلى إنشاء قواميس، فما أغنى لغتنا بمفرداتها، وسؤالي الأخير للمسئولين عن الحياة الأكاديمية في عالمنا العربي، بالطبع تعلمون أن جميع العلوم من كيمياء وفيزياء وطب وصيدلة وهندسة تدرس باللغة العبرية، فلم لا نفعل مثلهم؟
@salehsheha1