يظن بعض الناس أنه أذكى الناس وأنبههم وأحكمهم، بل ويتقن فن السخرية من الآخرين، فمن حوله في الاستراحة أو العمل أو حتى العائلة أقل منه تميزا، فيقارن نفسه بهم ويرى تفوقه عليهم، وبالتالي يركن إلى ذلك ولا يطور نفسه.
مثل هؤلاء المخدوعين بحاجة إلى إعادة النظر في وضعهم، فقد تكون من أفضل الناس ولكنك لست الأفضل، وقد روى ابن خلكان في وفيات الأعيان عن معن بن زائدة الذي كان قائدا كريما أنه قال: لما انتقلت الدولة إلى بني العباس جد أبو جعفر المنصور في طلبي وجعل لمن يحملني إليه مالا، فاضطررت إلى أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخففت عارضي ولبست جبة صوف، وركبت جملا وخرجت متوجها إلى البادية لأقيم بها، فلما خرجت من باب حرب، وهو أحد أبواب بغداد، تبعني أسود متقلد بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، فقلت له: ما بك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى أطلب؟ فقال: أنت معن بن زائدة، فقلت له: يا هذا اتق الله عز وجل، وأين أنا من معن؟ فقال: دع هذا، فو الله إني لأعرف بك منك، فلما رأيت منه الجد، قلت له: هذا جوهر قد حملته بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي، فخذه ولا تكن سببا في سفك دمي، قال: هاته، فأخرجته إليه، فنظر فيه وقال: صدقت، ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك، فقلت: قل، قال: إن الناس قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت مالك كله قط؟ قلت: لا، قال: فنصفه، قلت: لا، قال: فثلثه، قلت: لا، حتى بلغ العشر، فاستحييت وقلت: أظن أني قد فعلت هذا، قال: ما ذاك بعظيم، وأنا والله راجل ورزقي كل شهر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير، وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أن في هذه الدنيا من هو أجود منك، فلا تعجبك نفسك، ولتحقر بعد هذا كل جود فعلته ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى العقد في حجري وترك خطام الجمل وولى منصرفا، فقلت: يا هذا، قد والله فضحتني ولسفك دمي أهون علي مما فعلت، فخذ ما دفعته لك فإني غني عنه، فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقالي هذا، والله لا أخذته ولا آخذ لمعروف ثمنا أبدا، ومضى لسبيله، فو الله لقد طلبته بعد أن أمنت، فما عرفت له خبرا، وكأن الأرض ابتلعته.
ختاما: افعل المعروف ولا ترمه في البحر، فسيأتيك يوم تحتاجه وينقذك كما أنقذ معن.
@shlash2020