DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

اعتراف ألمانيا بالإبادة الجماعية في ناميبيا مفارقة تاريخية

فتح صفحات الماضي الاستعماري لا يقتصر على التعويض المادي

اعتراف ألمانيا بالإبادة الجماعية في ناميبيا مفارقة تاريخية
اعتراف ألمانيا بالإبادة الجماعية في ناميبيا مفارقة تاريخية
نصب تذكاري تكريما لضحايا الإبادة الجماعية من قبل الاستعمار الألماني في ناميبيا (جيتي)
اعتراف ألمانيا بالإبادة الجماعية في ناميبيا مفارقة تاريخية
نصب تذكاري تكريما لضحايا الإبادة الجماعية من قبل الاستعمار الألماني في ناميبيا (جيتي)
خطوة تاريخية أقدمت عليها ألمانيا بتقديم اعتذار لناميبيا عن الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبا هيريرو وناما إبان الحقبة الاستعمارية لهذا البلد الجنوب أفريقي، فهل سيكون للمصالحة الألمانية الناميبية أصداء في شمال أفريقيا؟
وتقول شبكة «دوتشيه فيليه»: من مفارقات الزمن أن توقيع ألمانيا اتفاقا تاريخيا مع مستعمَرتها السابقة ناميبيا، تعترف من خلاله بأن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الألماني قبل أكثر من 100 عام بحق شعبي «هيريرو وناما» في البلد الجنوب أفريقي هي جرائم إبادة جماعية، وتعتذر عنها، يصادف اليوم زمن الجائحة ويذكّر الألمان وشعوب أوروبية أخرى بماضٍ أليم ارتكبته دولها عندما كانت إمبراطوريات استعمارية.
والاعتذار الألماني سيكون رسميا أيضا على لسان الرئيس فرانك-فالتر شتاينماير، وذلك عبر طلب يوجهه إلى الشعب الناميبي لقبول اعتذار ألمانيا وذلك خلال حفل رسمي في برلمان ناميبيا.
الاعتراف بجرائم من صنف «الإبادة الجماعية» ليس ترفا فكريا أو جولة علاقات ديبلوماسية عامة، بل خطوة مؤلمة بقدر ما تستجيب لمطالب الضحايا أو من يمثلهم اليوم، فهي تحتم على الطرف المقابل تنازلات مؤلمة تتجاوز مجرد الاعتراف بالذنب بل يتبعها الاعتذار ثم التعويض عن الضرر للضحايا.
وعندما يقدم بلد أوروبي له مكانة قيادية في أوروبا مثل ألمانيا على خطوة كهذه، فإن تبعاتها يمكن أن يكون لها مفعول الدومينو داخل ألمانيا وأوروبا وفي علاقاتها مع مستعمراتها السابقة، فهل يعني ذلك أن ساعة الحقيقة قد اقتربت مثلا في علاقات البلدان المغاربية بمستعمريها السابقين؟.
يقظة تاريخية
في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر كان التنافس على أشدِّه بين القوى الاستعمارية الأوروبية من أجل السيطرة على القارة الأفريقية، وشكّلت الأوبئة والجوائح دافعا للمستكشفين الأوروبيين لتحقيق إنجازات تاريخية وتحقيق اكتشافات علمية، ساهمت وتساهم في ازدهار أوروبا وتقدمها. لكن ذلك حدث على حساب شعوب أخرى، ومعظمها لا تزال ترزح تحت الفقر وعدم الاستقرار.
في مقال نشر له بمجلة «دير شبيغل» بالتزامن مع توقيع ألمانيا الاتفاق التاريخي مع ناميبيا، تساءل المؤرخ الألماني البروفيسور يورغن تزيمرير أستاذ تاريخ أفريقيا بجامعة هامبورغ، ما إذا كان الوقت قد حان لسحب اسم روبرت كوخ من المعهد الصحي الألماني المرموق، معللا رأيه بأن عالم الفيروسات الألماني كان رائدا ومثالا يحتذى في مجال طب الأمراض المعدية، إلا أنه كان يتصرف «بلا ضمير» أثناء تجاربه العلمية على البشر في المستعمرات الأفريقية.
وقد ساهمت اكتشافاته في مكافحة الملاريا في تخفيف المخاطر الصحية على المستعمِرين الأوروبيين وبالتالي تمديد بقائهم في القارة السمراء.
وتكشف شهادة المؤرخ الألماني الارتباط الوثيق بين النجاحات العلمية والاقتصادية التي حققها الأوروبيون ومآسي الشعوب الأفريقية المستعمَرة، وبالمقابل فإن أي خطوة تُقطع اليوم في سبيل إعادة فتح صفحات الماضي الأليمة هي بمثابة عملية جراحية عميقة الأثر سواء داخل المجتمعات الأوروبية نفسها أو في علاقاتها مع البلدان الأفريقية.
لدى ألمانيا خبرة تاريخية في التعامل مع المراحل الحساسة من تاريخها، وتعتبر المحرقة النازية أكثرها حساسية، وتوجد مؤسسات ثقافية وهيئات مجتمع مدني نشيطة في مجال مكافحة العنصرية ومعاداة السامية والمصالحة مع التاريخ.
ماض استعماري
ويبدو أن فتح صفحات الماضي الاستعماري لا تقتصر على تعويض مادي مهما كانت درجة سخائه، بقدر ما تتطلب جهودا تربوية وثقافية موازية وخصوصا في بعض الدول الأوروبية التي لا تزال مترددة في التعاطي بشجاعة مع تاريخها الاستعماري.
البروفيسورة ألفيته أوتيله أستاذة تاريخ الرّق بجامعة بريسول البريطانية تقول في حوار مع «دوتشيه فيليه»: «ما تعلمته من الماضي هو أنني لا أستطيع تغييره.. ولكن علينا أن نتعلم بشكل مستمر كيف نعيش معا».
وتعتقد المؤرخة البريطانية ذات الأصول الكاميرونية أنه مهما كانت إمكانيات دولة ما فلا يمكنها تقديم تعويض عن ظلم اجتماعي وقع في الماضي، ولذلك فهي ترى أهمية خاصة في دور الجامعات والمؤسسات الثقافية والهيئات غير الحكومية في القيام ببرامج حول العدالة التصالحية بين الشعوب والأجيال، وتشير في هذا الصدد إلى مبادرات عديدة تقوم بها جامعات بريطانية وأسكتلندية في سبيل الحوار مع شعوب القارة الأفريقية ودول الكاريبي حول الماضي الأليم.
وفي فرنسا البلد الأوروبي الذي كان له مجال استعماري واسع في أفريقيا، لا تزال علاقاتها مع الجزائر تكتنفها تعقيدات كبيرة.
وفي ظل وتيرة بطيئة لجهود المصالحة التاريخية بين البلدين، أطلق نشطاء سنة 2017 مشروعا أطلق عليه «رؤى متقاطعة» بمبادرة من الجمعية الفرنسية لمناهضة العنصرية «أس أو أس راسيزم» وشريكها الجزائري جمعية «تجمّع عمل شباب»، بهدف تشجيع الحوار بين الأجيال الشابة من البلدين حول الماضي المؤلم، ويقول مسؤولون عن المشروع: إن مبادرتهم تحظى بتجاوب مطرد في أوساط الشباب.
خطوات محتشمة
لكن الخطى الحثيثة التي تبذلها هيئات أكاديمية وثقافية ومؤسسات المجتمع المدني في عدد من الدول الأوروبية، تقابلها خطوات محتشمة من قبل حكوماتها.
مثلما هو حال ألمانيا، فان دوافع دول أوروبية أخرى لمصالحة مستعمَراتها ليست فقط أخلاقية أو نابعة من وعي ثقافي وتاريخي مجرد، بل هي مزيج من الوعي المتنامي لدى الأجيال الأوروبية الجديدة التي نشأت وتعايشت مع أجناس ثقافية متعددة، وبين تزايد اهتمام الأوروبيين بما تمثله القارة السمراء من مصالح اقتصادية وإستراتيجية لأوروبا.
قبل أزمة اللاجئين بسنوات بادرت المستشارة أنغيلا ميركل بوضع القارة الأفريقية في صدارة أجندتها، ومن المتوقع أن تواصل الحكومة الألمانية بعد الانتخابات العامة المقبلة اهتمامها ببرامج التعاون والتبادل مع دول شمال أفريقيا وجنوب الساحل والصحراء في قضايا الهجرة والأمن والاستثمار والتكوين.
لكن جهود ألمانيا تبدو متأخرة نسبيا في ظل المنافسة الشرسة مع الصين وروسيا، كما أن وتيرة التنسيق والتضامن الأوروبية لا تزال بطيئة، وقد كشفت أزمات عديدة في ليبيا وفي منطقة الساحل اختلالات إستراتيجية كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ناهيك عن تعمق الفجوة بين العواصم الأوروبية وعواصم أفريقية وخصوصا المغاربية منها، فخلال السنوات العشر الأخيرة خسرت كل من فرنسا وإيطاليا مركزيهما كأول شريك اقتصادي للجزائر وليبيا.
وفي خضم الأزمة الليبية تبادلت إيطاليا وفرنسا الاتهامات باستغلال الأفارقة، ولا يبدو أن الطرفين مخطئان بحق بعضهما، فقد كانت إيطاليا قوة استعمارية غاشمة في ليبيا، لذا فإن الحكومات الليبية المتعاقبة في السنوات العشر الأخيرة، ترى أن روما مطالبة بخطوة ذات مدى أكبر لطي ماضيها الاستعماري الأليم في البلاد.