ومن غريب ما رأيت أني وجدت مَنْ يشتري علبة الدخان من البقالة ويطلب تغيير نوعية الصورة، التي وضعت على العلبة؛ لأنها منفرة ومؤلمة، وهي صورة لسرطان الحنجرة (حمانا الله وإياكم من الأمراض الخبيثة). وقد قلت له مازحا: الله يفكك منه ومن الصورة معا. فرد بقوله: آمين. وهذا يدل على أن البعض منهم يتمنى الإقلاع عنه، ولكنهم يحتاجون إلى معرفة الطريقة والتشجيع. وأتفق معهم أنها ليست بالمسألة السهلة، ولكنها ليست مستحيلة. وقد استطاع الكثيرون ترك عادة التدخين. وهي في الحقيقة تتفاوت من شخص إلى آخر بحسب نمط الشخصية وقوة الإرادة.
ومن النقاط المهمة (التعلم) أي القراءة عن أضرار التدخين، ومشاهدة الأفلام التوعوية عن أثاره الجسدية والنفسية والمالية، وتكرار ذلك من أجل تحفيز العقل الباطن، وأن يكون التفكير دوما منصبا في كيفية الإقلاع عنه. وأما الأرقام فهي تعزز هذا المنطق، فبحسب منظمة الصحة العالمية: «يؤدي وباء التبغ العالمي بحياة ما يقرب من 6 ملايين شخص سنوياً، منهم أكثر من ستمائة ألف (600000) شخص من غير المدخنين، الذين يموتون بسبب استنشاق الدخان بشكل غير مباشر». أي أن الذين لا ناقة لهم ولا جمل يموتون بسبب مجاورتهم للمدخنين.
ومن الطرق (خلق عادة مكان عادة) وهذه الطريقة جدا فعالة. وفي كتاب «قوة العادات» يتحدث تشارلز دويج عن القاعدة الذهبية لتغيير العادات فيقول: «فعادة ما لا يستطيع المدخن الإقلاع عن التدخين إلا إذا وجد ما يأخذ مكان السجائر عندما تثار رغبته في النيكوتين». وبوضوح أوجد عادة بديلة.
ومن الحلول الحصول على المساعدة عن طريق (عيادات مكافحة التدخين)، التي هي منتشرة في المملكة ولله الحمد، وممكن الوصول إليها بسهولة. ومنها الاستشارات الطبية، والحصول على صور للرئة لمعرفة مدى تأثيره عليها، فلعل ذلك يكون رادعا نفسيا قويا. ومنها وضع جدول تدريجي للإقلاع عنه؛ لأن البعض يحتاج إلى وقت معين للخروج من النفق المظلم للتدخين. ومنها إقامة تحدٍ مع الآخرين، فذلك أيضا دافع ومحفز.
ومن الضروري عدم الكف عن المحاولة بكل الطرق الممكنة، فربما لن تنجح في المحاولة العاشرة، ولكن في المحاولة الحادية عشرة سوف تنجح! وجرت العادة أن المحاولات في الأيام الأولى ستكون صعبة وعسيرة (كحالة الفطام!) ولذلك يُقترح وبشدة الابتعاد تماما عن الأجواء والأماكن، التي فيها مدخنون أو التي تعيد الذاكرة والحافز للتدخين.
ومن الوسائل الجلوس مع الذين أقلعوا عنه، والاستفادة من خبراتهم، والحصول على التشجيع منهم. وأيضا عدم التردد في طلب المساعدة ممن هم حولك، والبحث عن كل الوسائل؛ للخروج من نفق التدخين إلى نور الصحة والعافية. وكل ما ذكرت هي أسباب ووسائل وتبقى الإرادة هي المفتاح.
وهمسة صادقة في أذنك لا تنس الدعاء أبدا. فالدعاء سلاح خطير وفعال إذا عرفنا أسراره. وقد ذُكر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: «إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء». وجاء في الأثر: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع».
وخلاصة القول، الإقلاع عن التدخين ممكن ولكن لا تتوقف عن المحاولة!
abdullaghannam@