ذكر ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات: حكى ابن حمدون النديم أن -الخليفة العباسي- المعتضد كان قد شرط علينا أنا إذا رأينا منه شيئاً ننكره نقول له، وإن اطلعنا على عيب واجهناه به، قال: فقلت له يوماً: يا مولانا في قلبي شيء أردت سؤالك عنه منذ سنين، قال: ولم أخرته إلى اليوم؟ قلت: لاستصغاري قدري ولهيبة الخلافة، قال: قل ولا تخف، قلت: اجتاز مولانا ببلاد فارس، فتعرض الغلمان للبطيخ الذي كان في تلك الأرض، فأمرت بضربهم وحبسهم، وكان ذلك كافياً، ثم أمرت بصلبهم، وكان ذنبهم لا يجوز عليه الصلب، فقال: أو تحسب أن المصلبين كانوا أولئك الغلمان؟ وبأي وجه كنت ألقى الله تعالى يوم القيامة لو صلبتهم لأجل البطيخ؟ وإنما أمرت بإخراج قوم من قطاع الطريق كان وجب عليهم القتل، وأمرت أن يلبسوا أقبية الغلمان وملابسهم إقامة للهيبة في قلوب العسكر، ليقولوا: إذا صلب أخص غلمانه على غصب البطيخ فكيف يكون على غيره؟ وأمرت بتلثيمهم ليستتر أمرهم على الناس.
لابد من العقوبة مهما اردنا الابتعاد، والكلمة الجميلة وحدها لا تكفي مهما حرصنا، ولابد من هيبة الدولة والعسكري والمعلم والأب، فضعفهم دمارٌ على المجتمعات مهما قال المثاليون، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ولكن لابد من الذكاء في العقوبة، فكم من عقوبة أردنا بها معالجة خطأ فوقعنا وأوقعنا في مصائب.
يخسر بعض المديرين موظفاً متميزاً أخطأ -ومن منا لا يخطئ؟- بمساواته بغيره بالعقوبة بحجة العدل، رغم أن العدل لا يعني المساواة، ورغم أنه كان بذكاء المعتضد يستطيع أن يمنع أو يخفف نسبة وقوع الخطأ قبل وقوعه.
ومع خطر الدلال وأضراره، إلا أن بعض الآباء يخسرون أبناءهم البارين بعقوبات مغلظة مع أنهم كانوا يستطيعون تحقيق الأهداف التأديبية بأقل من ذلك.
من الذكاء في تطبيق العقوبة، السعي لمنع الخطأ قبل وقوعه بإعلان العقوبات والتلويح بها والتشديد على من يستحقها حتى يكون عبرة لغيره، والاستفادة من الإعلام في ذلك، وأيضاً مناسبة العقوبة للخطأ والمخطئ، فلكل خطأ حد معين، ولكل مخطئ ما يناسبه.
وقد قال رسول البشرية -صلى الله عليه وآله وسلم-: «أقيلوا ذَوي الهيئاتِ عثَراتِهم إلا الحدودَ».