وحديثنا اليوم هو عن الشعر، وهو الكلام المنظوم لأن (21) من شهر مارس يوافق «اليوم العالمي للشعر». وقالت عنه اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة): «الشعر هو أحد أشكال التعبير، وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهما ما يعتبران أغنى ما تمتلكه الإنسانية منذ قديم الزمان». وأما التعريف المشهور فهو: «قول موزون مقفّى يدل على معنى». ورُوي عن الصحابي الشاعر عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه- أنه قال: «إن الشعر شيء يختلج في الصدر ويقذف به اللسان».
ولعل بعضكم سمع عن الجدل الواسع والطويل حول أن الشعر لا بد فيه من قافية ووزن. والبعض يرفض ذلك ألبته، ويريد أن يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه لكل مَنْ هب ودب ليقول عن نفسه أنه: شاعر!!
وعباس محمود العقاد كان يُعد من الداعمين للتجديد في الشعر العربي ومع ذلك قال: «إنما الوزن المقسم بالأسباب والأوتاد والتفاعيل والبحور، خاصة عربية نادرة المثال في لغات العالم، وكذلك القافية، التي تصاحب هذه الأوزان». ومما ذُكر أنه عُرض عليه نص مكتوب (على أنه شعر!) حين كان في لجنة الشعر فأحاله إلى قسم النثر!. وقرأت يوما أن أحب الألقاب إلى قلب العقاد هو لقب: شاعر. وغازي القصيبي في كتاب له (استراحة الخميس) يقول: رب بيت بألف قصيدة.
وأعتقد أن الشعر موهبة فطرية بلا ريب، وذلك أن الشاعر يستطيع أن ينظم الكلام بأسلوب موسيقي يؤثر على الأذن البشرية، وله إيقاع يجعل المستمع ينصت ويتأمل تلقائيا. كحالنا حين نرى وجها جميلا، أو زهرة فاتنة أو نرى منظرا طبيعيا يأسرنا. وكذلك الشعر فالوزن والقافية هما ميزة للشاعر المتمكن والمبدع.
والبعض يريد أن يرمي بالوزن والقافية عرض الحائط! زعما بأنه لا يريد أن يتقيد بكلمة معنية، أو أنه يجد صعوبة في إيجاد الكلمة المناسبة من أجل القافية؟. والجواب أن اللغة العربية فيها مئات الألوف من الكلمات والمفردات ومشتقاتها، ومن الأسماء والأوصاف والصفات والنعوت المتنوعة والمتباينة. ومن الواضح أنه كلما زاد مخزون الشاعر من الثقافة والعلم، والقراءة والحفظ زاد مخزون الكلمات لديه ليأتي لنا بشعر موزون مقفى يطرب الأسماع، ويدهش العقول، ويؤثر في القلوب.
وفي واقع الأمر، الشعر موهبة وتعلم، ولذلك بقاء الموسيقى فيه (الوزن والقافية) هو سر من أسرار جمال اللغة العربية، بالإضافة إلى الشعور بالنغمة الفتانة تطرب السامع. وقد كانت العرب ومازالت تحتفل بالشعراء؛ لأنهم يستطيعون نظم القوافي بما لا يستطيعه الآخرون.
ولا بد من الإشارة إلى أنه ليس كل واحد يستطيع مثلا أن يبدع في الهندسة أو الطب أو الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها من العلوم الطبيعية؛ لأنها موهبة ثم جهد وتعب من أجل صقل تلك الموهبة، وكذلك الشعر هو هبة من الله لفئة من الناس. وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «إنَّ من البيانِ سحْرًا، وإنَّ من الشِّعرِ حِكَمًا».
وقالوا: إن الشعر (ديوان العرب)، وزعموا بأن من الأشعار ما كُتب بماء الذهب وعلق على جدار الكعبة. ولكن بصراحة يكفي الشعر فخرا أن البعض يتمناه بشدة ولا يستطيعه!
abdullaghannam@