الانطلاقة كانت مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات الميلادية عبر مشاريع إعلامية عملاقة لمستثمرين سعوديين في مختلف القطاعات الإعلامية من سياسة ورياضة وترفيه، كانت على قدر عالٍ من الحرفية والسمعة. بعضها استمر في النجاح حتى اليوم مثل صحيفة «الشرق الأوسط» MBC ولكن أكثرها مات أو اشترته أطراف جعلت من تلك الوسائل أسلحة ضدنا اليوم. وهي ثلاثة مشاريع، أولها صحيفة «الحياة»، التي تمثل نشأتها في 1946 مهد النضال العربي بالكلمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، التي ظلت حتى إغلاقها في 2019 أكثر وأهم مصدر إعلامي عربي تنقل عنه وكالات الأنباء العالمية، وكان مديرو مكاتبها في عواصم عالمية، محل تقدير وتأثير في الدوائر السياسية. ثاني المشاريع مجموعة شبكة أوربت، التي أسسها مستثمر سعودي في التسعينيات وشكّلت انطلاقة قوية بباقة من القنوات العالمية الناطقة بالعربية على رأسها القناة الإخبارية «BBC عربية»، التي تخلى عنها المستثمر مبكراً ليتحول طاقمها من الصحافيين والمذيعين لتأسيس قناة الجزيرة، في حين تحولت قنوات المجموعة لاحقاً إلى شبكة أوربت شوتايم المعروفة اليوم بـ OSN (أو إس إن). أخيرا مشروع راديو وتليفزيون العرب art هي الأخرى أسسها مستثمر سعودي ونجحت في أن تصنع شبكة محترفة من القنوات الرياضية، التي سيطرت على المشهد الرياضي في المنطقة، لكن الحال انتهى بها وبطواقمها واستديوهاتها وحقوقها في كل المسابقات والبطولات العالمية للبيع على طبق من ذهب إلى قنوات الجزيرة الرياضية أو ما يعرف اليوم بقنوات beinsport.
هذه المشاريع الثلاثة المهمة فقدناها غالبا بسبب كلفتها المادية العالية والتحديات، التي تواجه استدامة مواردها أو تحولها إلى مشروع تجاري مربح، أو بسبب إستراتيجية إعلامية في حينها. صحيح أنها مشاريع تتحدث بالعربية وتخاطب المشاهد العربي، لكنها جزء من صورتك لدى العالم، فضلاً عن أنها تملك الإرث المهني، الذي يسهل استنساخ مشاريعها باللغات الأخرى، ويزيد فرص نجاحها من مجتمعات غير عربية.
إن الحضور الإعلامي القوي مرهون بصناعة مؤسسات إعلامية قوية. ولأن الإعلام صناعة مكلفة مادياً، فمن الصعب جداً أن يجتمع فيها الربح المادي والتأثير المنتظر، والقناعة بأن الإعلام يجب أن يمول نفسه ويكون مؤثراً في ذات الوقت، أو لنتركه يموت، معادلة خاطئة.
woahmed1@