اللافتات الإشهارية في كل مكان، والمنصات الاجتماعية متخمة بأشخاص يعملون ليل نهار في التظاهر. آخر صيحات الموضة، عرس أسطوري على اليخت، شهر العسل على جزر مهجورة، هدايا لا تقدر بثمن. كلها إنجازات مزيفة، تم خلقها من فراغ من أجل إقناعك بأنك لست على قيد الحياة...
في الوقت الذي أصبحت فيه قيمة الإنسان تحدد عن طريق الأشياء، التي استطاع أن يسجلها على مذكرة إنجازاته أو من خلال نظرة الآخرين له، دخل في دوامة من الصراعات الأبدية مع نفسه؛ لأنه لم يعد يستطيع أن يكون على حقيقته، وأصبح يجاهد في دائرة من العبث من أجل بلوغ اعتراف الآخرين به، غير مدرك أن هذا الأخير غاية لن تدرك أبدا...
الغريب أن عبودية المظاهر ليست وليدة هذا العصر، الذي كثرت فيه ثقافة المقارنات وتقليد المشاهير، بل هي مقترنة بوجود الإنسان على هذه البسيطة، وربما ما تغير اليوم هو فقط تجليات هذه الظاهرة في عصر أصبحت فيه مشاركة الحياة الخاصة والتظاهر بالبرجوازية عملا مدفوع أجره...
علينا أن نعي بهذه المسألة، ونحاول دائما العودة إلى أصل هذه الظواهر وتفكيكها، وقبلها العودة إلى أنفسنا وتحديد قيمتها الأصلية، التي من المفروض أن نستمدها من الرسالة، التي نحملها وغايتنا الأسمى من هذه الحياة...
علينا أن نعلم أن أعيننا ليست تلمح سوى ظاهر الأشياء، وربما الحقيقة التي يتم رصدها هي مزيفة. ربما مَنْ يأخذ صورا بابتسامة عريضة معبرا عن سعادته، هو يخبئ ألما وحزنا شديدا لا يعلم به أحد. ربما مَنْ يرتدي دائما آخر صيحات الموضة، يكون قد حصل عليها بطرق غير مشروعة، ولا تتماشى والأخلاقيات العامة. ربما ذلك العاشق الذي لا ينفك عن كتابة الشعر والكلام المعسول على صور تجمعه ومعشوقته، هو فقط تحايل من أجل جذب الانتباه والحصول على عدد وفير من «اللايكات»....
لهذا علينا أن ننتبه دائما للجانب الخفي والمحتمل لكل قصة، وأن نبتعد عن رؤية العالم بعين الفقدان، ولنتعلم كيف نقدر ذواتنا ونرسم لنا أهدافا تمثلنا، ونسعى بكل جهد من أجل تحقيقها.
@alharby0111