نقف اليوم على بُعد بضعة أيام من رحيل عام 2020، نقف متأملين في عام كانت لحظاته تمر متأنيةً بطول الساعات، وأشهره تسير ببطء السنوات، عام امتزجت فيه المشاعر بين الخوف والحذر مما هو آت، عام سيخلده التاريخ في عدة مجلدات، واستقرت أحداثه لدى الأطفال والكبار في عميق الذكريات، واشتدت وطأته وقسوته على المؤسسات والشركات والحكومات في جميع القارات.
وبين ذلك وذاك، نقول من الأعماق شكراً 2020 فقد ألمتنا وعلمتنا، نعم شكراً، شكراً لأنك قدمت لنا درساً حياً نتدبره ونتفكر فيه عن عظمة الخالق -عز وجل- وقدرته، وضعف خلقه جميعاً أمام أصغر جنده. شكراً أنك ذكرتنا أن النعم تدوم بشكرها، وتبقى وتنمو بصونها وحفظها وحسن استعمالها وأداء حقها. شكراً لأنك برهنت للعالم أجمع أن المملكة قدمت الإنسان، وعادلته بأغلى الأثمان، وبثباتٍ جمعت الصحة والاستقرار الاقتصادي على كفي الميزان، وقادت مجموعة العشرين عبر سواعدها بحرفية عالية وإتقان. شكراً فقد علمتنا أن قطر كلمة «جنود» عريضٌ بما يكفي ليضم في دائرته مع رجال القطاعات الأمنية والعسكرية أبطال الصحة والتعليم والجمعيات الخيرية والمتطوعين والموارد البشرية والتجارة وغيرهم الكثير. شكراً فقد ساهمت بزيادة عمق خبرة مؤسساتنا في إدارة المخاطر والأزمات، ووضع الخطط الاستثنائية لمواجهة الكوارث والمشكلات، وأصبحت تقدم للعالم في ذلك أفضل الحلول والمنهجيات. شكراً لأنك دفعت بتعزيز الصناعة المحلية الوطنية، وألهمت المستثمرين لبدائل ومنتجات غير مسبوقة وكأن شعارهم يقول «الجائحة أم الاختراع». شكراً لأنك علمتنا ثقافة أن اللقاءات الرسمية يمكنها أن تكون رشيقة خارج جدران غرف الاجتماعات، وأن الملتقيات والدورات يمكن أن تكون دون ضيافة ونفقات، أو مشروبات ووجبات. شكراً لأننا أبصرنا الجمال خلالك حولنا في وطننا، بين سهول وتلال، وجبال وبحار، ونخيل وأشجار، لا تتطلب مشقة عبور الحدود لمختلف الأمصار، بل هي قريبةً يسيرةَ الوصول بالأمتار. شكراً 2020 لأنك علمتنا كيف نصنع من بيوتنا ملجأً ومصلاً ومدرسةً ومكتباً ومكاناً للترويح، وأن نستثمر في أهم كيان في المجتمع وهو الأسرة، وأن نقوي روابطها، ونزيد دعائمها، وأن نؤمن بمكوناتها وأفرادها، ونعمل على نموها وانتمائها. شكراً لأنك أكسبتنا نمطاً جديداً في الحياة، فقد أصبحنا جدياً نتقي الفيروسات، ونستخدم المعقمات يومياً والكمامات، ونراعي الخصوصية دوماً بالمسافات، ونحفظ الرحم مع الأهل عبر البرامج والتطبيقات، ونتشارك الرسالة السامية مع المعلمين والمعلمات، وأن نقيم احتفالاتنا وأفراحنا بأيسر الإعدادات والتجهيزات، وأن نخطط لمصروفاتنا بحكمة ونرشد النفقات، وممارسات إيجابية أخرى عديدة تتطلب من المختصين البحث والدراسات.
يقف قلمي هنا وأقول، شكراً 2020، فبفضلك بعد الله أصبحنا اليوم أقوى بكثير، وأهلاً 2021، وحسبنا أنك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.
@azizmahb