ذكر عبد الواحد المراكشي في كتابه المعجب في تلخيص أخبار المغرب: حدّث الوزير الأندلسي أبو بكر ابن زهر، قال: بينما أنا قاعد في دهليز دارنا وعندي رجل ناسخ أمرته أن يكتب لي "كتاب الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، إذ جاء الناسخ بالكراريس التي كتبها، فقلت له: أين الأصل الذي كتبتَ منه لأُقابل معك به؟، قال: ما أتيت به معي. فبينا أنا معه في ذلك إذ دخل الدهليز علينا رجل بذُّ الهيئة، وقال: ما هذا الكتاب الذي بأيديكما؟، فقلت له: ما سؤالك عنه؟، فقال: أحب أن أعرف اسمه، فإني كنت أعرف أسماء الكتب! فقلت: هو كتاب الأغاني.، فقال: يا بنيّ، أمسك عليّ. فأمسكت عليه، وجعل يقرأ، فو اللّه ما أخطأ واواً ولا فاءً، قرأ هكذا نحواً من كراستين، ثم أخذت له في وسط السـِّفر وآخره، فرأيت حفظه في ذلك كله سواء، فاشتدَّ عجبي، وقمت مسرعاً حتى دخلت على أبي فأخبرته بالخبر، ووصفت له الرجل، فقام كما هو من فـَوْره، وتبين أنه أديب الأندلس وإمامها وسيّدها في علم الآداب، ابن عبدون، الذي أيسرُ محفوظاته كتاب الأغاني!.
هذه القصة التي أوردتها بتصرف ترد على بعض أبناء ابن عبدون الذين يهاجمون الحفظ ويرمونه بكل قبيح، مطالبين بالتركيز على الفهم وترك الحفظ الذي جعل أبناءنا كالببغاوات يرددون ما لا يفهمون!.
ولا أدري لماذا يوصف الحافظ بالببغاء، ولماذا تُصنع العداوات بين الحفظ والفهم، رغم أن الحفظ هو بوابة الفهم.
إن لم نحفظ من أين لنا بالعالم الشرعي الذي يهدي المستفتين، هل ننتظر إذا سألناه حتى يرجع لجهازه أو كتبه؟!
وإن لم نحفظ من أين لنا بالطبيب الذي يعالج مرضاه؟!
وهكذا لجميع الوظائف فالانتظار يدمر الفرص.
الحفظ مهم ويجب أن نشجع أبناءنا عليه، ويبقى السعي للاستفادة من الحفظ بأكبر قدر ممكن، فالناس في حفظهم ثلاثة:
حافظ بلا فهم وهذا خطير، وفاهم بلا حفظ وهذا هش، وحافظ فاهم وهذا ما يجب أن نضع خططنا التعليمية والتربوية من أجله.
إنما الإنسان بمحفوظه، إذا كان يفهمه.
@shlash2020