الفساد بالاتفاق ظاهرة عالمية لا يقتصر وجودها على بلد دون آخر، كما أنه ليس مقتصرًا من حيث الزمن على عصر من العصور، ولأنه ظاهرة عالمية ولمعظم آثاره السلبية على الأمم والشعوب في كافة جوانب حياتها وفي مقدمتها الجانب المالي والاقتصادي؛ فقد اتفقت الدول كافة على اعتبار يوم التاسع من ديسمبر من كل عام يومًا للنزاهة ومكافحة الفساد، تقام فيه الفعاليات والحملات التوعوية بآثاره المدمرة، ودور المواطنين والحكومات في الحد من آثاره، ومواجهة تبعاته، والمملكة كغيرها من الدول لا شك أنها عانت طويلاً من الفساد بأنواعه، ولطالما تم الحديث عن هذه الآفة وأخطارها وأهمية مواجهتها والحد منها، بل والقضاء عليها، وقد توجت الجهود المبذولة في هذا السبيل بصدور المرسوم الملكي عام 1432هـ بإنشاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة»، حيث يشمل عمل اللجنة التحري عن أوجه الفساد الإداري والمالي في عقود المشاريع العامة، وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح والتعليمات، وكذلك متابعة مدى قيام الأجهزة المشمولة باختصاصات الهيئة بما يجب عليها إزاء تطبيق الأنظمة التي تجرم الفساد المالي والإداري، وتعزيز مبدأ المساءلة لكل شخص مهما كان موقعه، وهي المهام التي يظهر من خلال الإعلان عن المخالفات التي تم الكشف عنها، ومساءلة أصحابها وإيقاع العقوبات النظامية عليهم أنها تم العمل بها خلال السنوات القليلة الماضية بكل حسم وبلا تردد، ويظهر ذلك أن هذه الجهود شهدت دفعة قوية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث لقي ملف مكافحة الفساد اهتماما بالغًا من لدن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي وضع مكافحة هذا الوباء في مقدمة اهتماماته؛ لإدراك سموه حقيقة الخطر الذي يشكله على الوطن والمجتمع، ودوره في تبديد الأموال التي ينبغي توجيهها لتنفيذ خطط التنمية، وقد أكد سموه إدراكه لعمق هذه القضية في أكثر من مناسبة، خاصة في حديثه الأخير الذي بين فيه أن ما بين 5 - 25 % من ميزانية الدولة تذهب إلى حسابات الفاسدين بدلاً أن تتحول في الميزانية إلى مشاريع تنموية وخدمات لصالح المواطنين، وهذه النسبة من ميزانية دولة مثل المملكة ربما تعادل ميزانية كاملة في غيرها، ولذلك ولأسباب أخرى كثيرة نلحظ إصرار سموه على مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين الذين أكد سموه في أكثر من مناسبة أن لا حصانة لفاسد، وأن أحداً منهم لن ينجو من الملاحقة كائنا من كان، كما وإن الإعلانات والأخبار المتتابعة عن اكتشاف حالات الفساد والرشوة والتزوير والاختلاس تؤكد عزم الدولة على مواصلة جهودها للقضاء على هذه الآفة والتخلص من آثارها، وقد جعل ذلك بلادنا في مقدمة الدول التي تبذل جهوداً واضحة في مكافحة الفساد حيث تقدمت العام الماضي ٢٠١٩م وفق مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية سبع مراكز بين هذه الدول، لتحتل المركز الحادي والخمسين بين مائة وثمانين دولة في العالم. ولعل استعراضا سريعًا بالأرقام لبعض حالات الفساد التي أعلن عنها يبين بكل وضوح أهمية جهود الدولة المبذولة لمكافحتها والقضاء عليها، وضرورة استمرار هذه الجهود بلا هوادة، فقد بلغ إجمالي الأموال المستردة بموجب مخالصات التسويات خلال السنوات الثلاث الماضية فقط مائتين وسبعة وأربعين مليار ريال وهو مبلغ يعادل 20 % من الإيرادات غير النفطية للمملكة في هذه الفترة بالإضافة إلى ما قيمته عشرات المليارات من الدولارات من الأموال غير المنقولة التي تشمل عقارات وأسهم سيتم توريدها لخزينة الدولة بعد تحويلها إلى سيولة نقدية تعود مرة أخرى إلى الخزينة لتتحول بإذن الله إلى مشاريع تنموية وخدمات لصالح الوطن والمواطن، وبالتأكيد لأن تعدد المجالات التي يتبين من خلال ما أعلن عنه أن الفساد يضرب فيها أطنابه، ومستويات الفاسدين الوظيفية التي شملت موظفين كباراً في كافة الجهات بما في ذلكً مناصب وأشخاص كان يعتقد لوقت طويل أنهم فوق الشبهات، خاصة وأن الدولة توفر لهم ما يستطيعون من خلاله أن يعيشوا وأسرهم حياة كريمة، إلا أن ضعف النفوس أمام الإغراءات لم يجعل لدى البعض مناعة تردعه عن سلوك هذا الطريق؛ لذا فإن الدولة وإن كانت توجه للمشكلة هذا الاهتمام من أعلى مستويات القيادة حتى آخر جندي أو حارس لهذا الوطن إلا أن المواطن يظل مطالبًا بأن يقوم بدوره الذي يشكل رافدًا ضروريًا لهذه الجهود وصولًا إلى وطن بلا فساد وهو ما نرجوه -بإذن الله-.
Fahad_otaish@