وبذلك الاتفاق العظيم، فتح التاريخ ذراعيه للدرعية، لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وبدأت الحركة الإصلاحية، وانتشرت الدعوة السلفية، وأصبح لها نفوذ واسع، ومؤيدون في أنحاء الجزيرة العربية، وفي خارجها، وما أن جاء القرن الثاني عشر الهجري، حتى صارت أكبر مدينة في جزيرة العرب، يؤمها العرب من اليمن، وعمان، والحجاز، والعراق، والشام.
في حين لازال بناء الطين في الدرعية متماسك الأذرع قوي البنية صامد في وجه التغييرات المناخية وعوامل التعرية ساعد على ذلك البناء باللبن الطيني المجفف في الشمس ، ومما زاد البيوت قوة وتلاحم هو استخدام الحجر الذي ظل شائع الاستخدام في نجد لبناء الأساس.
ويقول المؤرخ الفرنسي كورانسيز " إن مدينة الدرعية القديمة تم بناؤها من حجر ، وعرضها نصف فرسخ وطولها ثلاثة أضعاف عرضها".
ويصل طول المباني إلى نحو بضعة أقدام وتغلف الجدران بطبقات من الجبس ولبنات الطين وتسوى بلياسة طينية تخفي الحجارة عن الأنظار ، وكثيراً ما كان الحجر يستخدم في الدرعية ، لإنشاء جدران كاملة كما هو الحال في النصف الغربي من حي الطريف ولا يزال من الممكن رؤية الأمثلة الواضحة على هذا الاستعمال في أكثر من مكان ، ويعد طين الصلصال المكون الأساس في طوب اللبن الذي يستخرج من الأرض حيث أماكن المياه الجوفية.
يتميز طين الصلصال بخاصية الالتصاق ، وهي خاصية تجعله منه مادة يصعب التعامل معها بتركيبتها الأولية ، كما أنها قد تتفتت وتتصدع ، ما لم تعالج بمواد أخرى لذا يخلط الطين بالتراب الناعم المترسب على ضفتي وادي حنيفة ، والتبن والقش ، وتستخدم مادة الجبس البيضاء المصنوعة من الحجر الجيري بعد حرقة وطحنه في تبييض وتزيين الجدران من الداخل والخارج ، مما يكسبها مزيدا من الجمال والقوة والقدرة على تحمل الأمطار وتعد أخشاب الأثل والنخيل من العناصر الأساسية في البناء نظراً لصلابتها ومقاومتها للتشقق.
ويستخدم الخشب في الأعمال الهيكلية لصنع السقوف والعتبات العلوية كالأبواب والنوافذ مثلما كان متبعاً في بقية أرجاء نجد ، وكانت ألواح الخشب تستخدم في صنع الأبواب وتحضى السقوف بعناية كبيرة لخطورتها ؛ لذا كان يتم تسقيف المنزل بعوارض خشبية متينة من جذوع الأثل ترص بشكل أفقي على حواف الجدران ويترك بينها مسافات تتفاوت من عشرة سم إلى عشرين سم وفوق الأخشاب توضع سعف النخيل فتمنع بدورها تساقط الطين الذي يوضع فوقها طبقة من تتراوح سماكتها من 15 سم إلى 20 سم ، ويدك بالأقدام ليترك حتى يجف ، وبعد ذلك تتم تغطيته بطبقة طينية وأخرى مخمرة بالتبن لإعطاء السطح الخارجي خاصية عزل الماء.