المنظر للمشهد السياسي في العالم العربي أصبح بالمتأزم، وأصبح نمط السياسة غير معروف وغير مألوف، فمنذ بداية شرارة الربيع العربي وسقوط بغداد وسوريا وليبيا أصبح في هذه الدول سماسرة ووسطاء بمسمى سياسيين وتقلدوا مناصب قيادية عليا في تلك البلاد العربية، وتحولت انتماءاتهم إلى خيانات وأصبحوا يجنون منها أرباحا طائلة باسم الوطنية، فبعض الانتماءات إستراتيجية، فالمنطقة تعج بالتوترات والأزمات، التي تخدم أغراضا أجنبية ودولية، حيث تتعدد الأزمات الإستراتيجية من جهة إلى أخرى، وتتداخل فيها المصالح لبعض الدول والمذهبية لدول أخرى، فمازالت الأطماع متجهة إلى الدول العربية، وذلك بغرض الهيمنة الدولية من الدول الكبرى على الدول الصغيرة، ولعلي أذكر بعضا من التحديات، التي تواجه الأمة العربية ومَنْ وراءها، فمنذ أقل من شهرين اجتاحت القوات المرتزقة التابعة لتركيا بعض المدن الليبية بحجة فرض هيمنة السراج الموالي لتركيا، فيما يرتكز الخصم العنيف المشير حفتر إلى جارته جمهورية مصر العربية، التي دخلت قواتها إلى الحدود الليبية لمواجهة القوات المرتزقة التركية مع أن المشهد يكتنفه الغموض، فلا القوات التركية انسحبت ولا القوات المصرية اشتبكت، إذن مَنْ الرابح ومَنْ هو الخاسر؟.
إذا افترضنا أن هناك دولا عظمى تسيّر بعض الدول الأصغر منها، فتركيا بقيادة رجب طيب أردوغان بعد أن ضمت مدنا سورية إلى الدولة العلمانية اتجهت إلى ليبيا، وأعتقد أن أردوغان قد زج بتركيا نحو مستنقع سيكلفها الكثير إذا نظرنا إلى هبوط الاقتصاد التركي إلى الهاوية، فالاستثمارات الخليجية توقفت والسياحة الخليجية انقطعت والليرة التركية تمزقت، الولايات المتحدة الأمريكية هي مَنْ تقود العالم إلى الأزمات، فمنذ قيام الثورة الخمينية سنة 1979 وسقوط شاه إيران محمد رضا بهلوي والمنطقة تعج بالتوترات والأزمات بداية من حرب الخليج الأولى ثم الثانية ثم سقوط صدام حسين واحتلال العراق وتحويله إلى بلد نظامه شيعي بحت ومن ثم تسليمه إلى الثورة الخمينية، ثم تمكين إيران من دخول سوريا وتحويل دمشق إلى نظام يسيطر عليه الشيعة ثم غزو اقتصادي وفكري وسياسي على لبنان عن طريق عميل إيران حسن نصرلله، الذي يفرض ولاية الفقيه على كل شبر في لبنان، بعد ذلك تأتي انطلاقة مرض الكورونا، الذي يشكل معضلة اقتصادية كبيرة لدى الدول الهابطة اقتصاديا، ومنها تركيا وإيران، فعدد الوفيات يفوق التصور في هذين البلدين دون التطرق للوفيات. أما إسرائيل فهي الأكثر ذكاءً، فهي تقف تتفرج على قرب النكبات، التي ستواجه الدولتين وتتوجه إلى تطبيع علاقاتها مع دول مهمة وغنية في المنطقة، وهي بالتالي ستساهم مع الدول، التي طبعت معها بالارتقاء باقتصادها، الذي يدعم وجودها في المنطقة، تاركة التغلغل لتركيا وإيران المنهارتين اقتصاديا، والذي سيؤدي إلى انهيارهما عسكريا، لذا فإن السياسة في المنطقة تشكل معضلة شبيهة بمعضلة داء السرطان، الذي حتى الآن والعلماء يبحثون عن علاج لهذا الداء.