DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

المدارس الشرعية بالأحساء.. تصارع البقاء

أسهمت في ازدهار الحركة العلمية والثقافية لمئات السنين

المدارس الشرعية بالأحساء.. تصارع البقاء
بقاء وفناء
وقال: إن هذه المدارس الشرعية كغيرها، يطرأ عليها تغييرات الحياة من بقاء وفناء، لذلك فإن بعض المدارس لا يزال باقيًا محافظًا على وجودها واستمرارية عطائها، وبعضها ظل أثرًا تاريخيًا، يروي قصة عن أناس كانوا يترددون على هذه المدارس وينهلون من علومها.
ضياع الملامح
وأضاف: إن هناك مدارس ضاعت ملامحها وانطمست آثارها، فهناك مجرد اسم على ورق يحكي نداء «كانت هنا مدرسة»، ويمكن تلخيص أهم الأسباب لبقاء بعض المدارس، واندثار الأخرى، في انتقال الناس المجاورين للمدارس إلى أحياء أخرى، وعدم وجود الناظر أو القائم على التدريس، وابتعاد الأبناء عن استكمال مسيرة الآباء في التدريس بهذه المدارس والاهتمام بها، وانقطاع الدعم المالي لهذه المدارس، والتي كانت تصرف على راتب المعلم، وصيانتها، ومستلزماتها، إضافةً إلى التوسع العمراني.
وأضاف: «في وضعنا الحالي، أصبحت هذه المدارس أقل بكثير من الفترة الماضية، وما بقي منها، أصبح لالتقاط الصور لأنها أمست جسدًا بلا روح».
تنوع فكري
وأشار د.الملا إلى أن من مظاهر الجمال الفكري والعلمي في الأحساء، هو تنوع الآراء الفكرية والمذاهب الفقهية المختلفة، ومع هذا التنوع المحمود، تميزت العلاقة بين المنتمين لهذه المذاهب والمدارس، بالتمازج والتآلف، ونبذ التعصب، فنجد الدروس المقامة في هذه المدارس تجمع متعددي المذاهب، وتناقش الأحكام الشرعية، والآراء الفقهية في كل مذهب، وهذا أدى إلى اتساع أفق الدارسين، وتنوع ينابيع العلم لديهم، وإلمامهم بالأحكام وأدلة المذاهب الأخرى، وعدم التعصب لمذهب معين، وأن هذا التنوع الفكري والفقهي جعل الأحساء محل إشادة لهذا النموذج الراقي في القديم والحديث.
تشجيع العلم
وأكد أن من الأسباب المهمة لانتشار المدارس في الأحساء، هي محبة أهل البلاد، وطبيعتهم المشجعة للعلم، ووجود العلماء الذين أكرم الله سبحانه وتعالى بهم البلاد، لذلك كان من المناسب توفير المكان للعالم والمتعلم، ووجود الدعم المالي من أهل الخير والصلاح، فالأحساء مدينة الحضارة فيها ممتدة إلى مئات السنين وقبل الهجرة النبوية وفيها الزراعة والصناعة، فلابد حينئذ من الاهتمام بالجوانب العلمية لاستمرار هذه الحضارة وارتقائها.
إثراء المجتمع
وقال د.الملا: إن من الأسباب التي دعت إلى بناء هذه المدارس في أماكنها الحالية، أنها تعتبر رافدا من روافد المعرفة لدى الحي، كالمدرسة في وقتنا الحاضر، تغطي جانبًا جغرافيًا معينًا، واستكمالًا لمشروع مجمع تعليمي متكامل، كبناء المسجد والرباط والمدرسة.
وأشار إلى مهام المدارس الشرعية قديمًا، ومساهمتها في الإثراء المعرفي للمجتمع المحلي، وأن جميع المدارس التي أنشئت في الأحساء، كان لها بلا شك دور بارز في الحركة العلمية، وتخرج فيها طلاب العلم الذين تميزوا بالذكاء والصلاح، ونفع الله بهم العباد والبلاد، وتقلدوا مناصب مهمة، كالقضاء والتدريس.
مميزات ومهام
وتابع، إن من مميزات ومهام وأدوار هذه المدارس والقائمين عليها، مثالاً لا حصراً، أنها تدرس العلوم الشرعية المتنوعة، من فقه، وتفسير، والقرآن وعلومه، وتعليم القراءة والكتابة، وكان لها دور في محو الأمية، ومحاربة الجهل ونشر العلم، والإجابة عن الأسئلة والاستفسارات فيما يخص أمور الدين والدنيا، وقوة الدراسة في هذه المدارس، اهتمامها بالكم والكيف، واكتشاف المواهب لدى الطلاب، فمنهم من يكون لديه ملكة الحفظ لذاكرته القوية، ومنهم من لديه قدرة الفهم والتحليل.
وعظ وإرشاد
وأكمل أنه كان للنساء نصيب من هذا الزخم العلمي، فحضرن دروس الوعظ والإرشاد، ويتم الإجابة عن أسئلتهن، وما يحتجن معرفته.
وقال: «ما يخص النظرة السائدة للمجتمع إلى هذه المدارس، فقد كانت فرحة الآباء بالتحاق أبنائهم بالدروس التابعة لهذه المدارس والتعلم بها كانت غامرة، لأنهم يتعلمون القرآن الكريم، والقراءة والكتابة والخط، وأيضًا العلوم الشرعية فكانت سعادتهم أشبه بسعادة الآباء في هذا العصر بالتحاق أبنائهم في الكليات التي تشترط معدلًا مرتفعًا».
طريقة التدريس
وأكد د.الملا أن طريقة التدريس تختلف من مدرسة لأخرى، ومن عالم لآخر، وكانت المدارس في منطقة الكوت التاريخية يتم التدريس فيها يوميًا، لعدة أسباب، منها تلافي إهمال بعضها على حساب الاهتمام بالأخرى، فالصباح يكون بمدرسة، والعصر مثلاً درس بمدرسة أخرى، وهكذا، وطرد الملل من الطلاب عندما يتم تدريسهم عدة دروس في مكان واحد، وهذا ما تم تداركه حديثاً في التدريس، فمثلاً نلاحظ أنه حالياً يتم توزيع الدروس بين الفصل ومكتبة المدرسة والمسجد ومصادر التعلم والساحات وهكذا.
دور تاريخي
وشدد على أهمية دور المهتم بالمدارس الشرعية، وكيفية التعامل معها، من ذلك استشعار المرشد عظمة هذه المدارس ودورها التاريخي، ومكانة القائمين على هذه المدارس وجهودهم في إعمارها وإحيائها بالدروس، وربط طريقة التدريس في المدارس الشرعية، وما كانت تحتويه من أساليب تدريس مشابهة للحديثة، واختيار الوقت المناسب لزيارة لذة المعالم الإسلامية، وأهمية الحصول على المعلومات من مصادرها الصحيحة؛ لتحري الدقة.
طراز معماري
وأشار د.الملا إلى أنها كلها متشابهة في المواد والتصميم المعماري، وتستحق التوقف عندها، وأن التصميم في العمارة الإسلامية في الأحساء كان فيه «فلسفة الضوء والصوت والهواء»، وأن المواد المستخدمة في البناء هي الجص والحصى، وأسقفه وأبوابه من أخشاب الأشجار المحلية وجذوع النخيل، وشكل المبنى منسجم مع المباني المحلية من حيث الطراز المعماري.
منارة إشعاع
واختتم أنه فيما يخص وضع المدارس الشرعية في الفترة الحالية، فحرصت اللجان المشرفة على هذه المدارس في أنحاء الأحساء على الاهتمام بها، وصيانتها المستمرة، والمحافظة على بقاء الدور الريادي لها كمنارة إشعاع.
كشف الباحث في العمارة الإسلامية د.محمد الملا لـ«اليوم»، أن المدارس الشرعية المنتشرة في أرجاء محافظة الأحساء، أسهمت في ازدهار الحركة العلمية والثقافية والشرعية على مدار مئات السنين، وكانت هذه المدارس منارة إشعاع ونور أضاءت دروب العلم لمرتاديها، وأزالت الجهل والظلمة، فدورها الحيوي كان فعالاً في حفز العقول وشحذ الهمم للإبداع بالمنطقة.