إن عادت الأمور إلى نصابها فقد يستعصي على أفراد المجتمعات الشرقية تحاشي بعض العادات المحببة لديهم، فهم يتزاحمون على طوابير الأطعمة والمشروبات، ويجتمعون خلسة في الغدايا والعشايا والاستراحات، ويتوافدون جموعا غفيرة للتسوق متخطين المحاذير بلا وقاية، ويتهاونون بالتباعد دون غاية، فالاعتماد على المناعة الإيمانية غالبا لا يكفي دون الأخذ بالأسباب، والحصانة الدينية تنشئ جدارا مانعا من تقلبات النفس، لكنها لا تعصم من الوباء، فمنذ متى تقع مسؤولية الأمن الصحي الوقائي على عاتق الفرد وحده في ظل هذه المعادلة الصعبة والتي تفوق أضرارها كل أوجه الحياة !؟، ومن سباق الرهان إلى سؤال يطرح نفسه كيف تبني الثقة في مجتمع واع ألا يخالط من هو غير واع من المتهاونين والمتسترين والمتسيبين إن أبدى الملتزمون حرصهم «في شأن هذا الوعي المطلوب»!؟ وماذا عن درجات الوعي المتوسط والمفرط، وعن تبعاته دون النظر إلى أبعاده وأضراره!!، كما استوقفتني عبارة «من دون علاج ولا لقاح لمواجهة الجائحة»!! فضلا عن كونها عبارة مختصرة وشفافة المعنى إلا أنها غير محفزة ولا تدعو للتفاؤل، فإن ألقيت المسؤولية على عاتق الفرد دون «اشتراطات مشددة تتمثل في آلية سلوكية معينة»، فإن مؤشر اتساع بؤر الوباء سيزداد، وستتوالى العواقب نظرا لتقديم منافع «الرؤية المالية» على الأرواح البشرية «دون التخطيط المدروس».
(نقطة خروج) الخبير الناجح هو من يسلط الضوء على هموم المجتمع ولا يقيس الأمور من زاوية اقتصادية بحتة، فلا بد من الموازنة والسيطرة فلا تعطيل للاقتصاد ولا تهاون بحياة الناس أولا وأخيرا، فالجهات المعنية يستحيل أن تضع المجتمع في وجه المدفع ليتلقوا أدوارها تجاه أنفسهم وحدهم.
إن تجار الشبع المتسترين منزوعي الرحمة، يتباكون على تجارتهم وهم لم يقدموا شيئا للأوطان، أي بمعنى لا تهمهم المجتمعات فمن شدة جشعهم يتاجرون، ويخاطرون بأرواح العمالة ليضمنوا ما في يدهم أضعافا مضاعفة، دونما النظر إلى جوانب الرحمة والإنسانية.
للاقتصاد أوجه عدة (سلوك وأطوار «ومجتمع صحي»)، فمن أسباب تدهور مجتمعات الفقر، البيئة الموبوءة.. نعم إن البيئة الموبوءة تعيق الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي والتعليمي وتقضي على الغث والسمين، وتميت الحواس الذهنية والاجتماعية والمادية، (فالوباء لا يزيد الدول الفقيرة إلا فقرا).
إن اختزال الحلول من دون التأني قد ينطوي عليه الدخول في عجالة القرار غير المنصف، وإن عدم الترقب لعواقب (الرهان) سيضفي بالضبابية على سير الأمور، فالمعادلة الأصعب في تاريخ البشرية جمعاء حتما ستفشل الرهان وتفرط الثقة وتضعف البنية المجتمعية في مواجهة الجائحة، (فالوعي إما أن يعمل على دعم بعضه، وإما أن يعمل على إنهاء بعضه).
وللعالم في المملكة العربية السعودية أسوة حسنة في كيفية مجابهة أزماتها بحكمة جلية، حتى فاقت كثيرا من دول العالم وأصبحت حديث الأنظار فسحقت بحصافتها دول «الإنسان والنظام»، ولم تتوان لوهلة في جهودها للحفاظ على شعبها وأمنها وشعائرها ونسكها حيال ذلك، فنحن في دولة عينها لم تنم ولم تغفل، دولة إن حدثت فعلت، وإن وعدت صدقت، وإن أقسمت بذلت والله خير الحافظين.
@Felwahalzahrani