لقد تغيرت مظاهر الحياة اليومية، هذا أمر لا يمكن إنكاره، فقد طغت المدنية بكل ما تمتلك على غالبية سلوكياتنا اليومية، الأمر الذي أدى تزايد معدلات الاستهلاك بمعدلات غير مسبوقة، بات مصطلح الاستهلاك التفاخري سلوكا مجتمعيا منتشرا بين فئات المجتمع، وهو ذلك الاستهلاك الذي يرتبط بالتفاخر والتباهي وحبا في الظهور دون الحاجة الماسة إلى الاستهلاك في حد ذاته بل الرغبة في المحاكاة للمستويات المعيشية الأعلى اقتصاديا أو التميز عن أفراد المجتمع، وهذا النوع من الاستهلاك يعتبر سلوكا هداما تقع فيه معظم الأسر لسوء فهمها لواقع الحياة، فالتقليد له آثار واضحة تؤدى إلى زيادة الاستهلاك، وقد يؤدى الاستهلاك التفاخري إلى إحداث خلل في ميزانية الأسرة، بل إن بعض الأسر قد تضطر إلى الاستدانة أو إلى استنزاف مدخراتها لمجرد التباهي أو التقليد غير المبرر، وهذا غالبا ما يظهر بصورة واضحة في بعض المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزواج والاحتفال ببعض المناسبات الاجتماعية الأسرية مثل عقيقة المولد أو الاحتفال بتخرج أحد الأبناء من الجامعة أو غيره، وقد ساهمت الوسائل الإعلامية في ارتفاع معدل الاستهلاك التفاخري حيث الدعاية والإعلان حول سلع ومنتجات تطرح في الأسواق، فهناك أسر تشتري بضاعة أو منتجا ليس لحاجة له بل لأنه ظهر في إعلان مثير، كما أن هناك من المستهلكين الذين تثيرهم أحاسيسهم الاستهلاكية لمجرد عقدة الندرة، مثل السيارات الفارهة والحديثة والملابس والمصوغات وغيرها، كل هذا أدى إلى حدوث معدلات استهلاكية غير واعية، وتحول ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة سلبية غير مبررة وتزايد الإنفاق غير الرشيد، وفى الواقع إن عملية الاستهلاك عملية متشابكة من حيث عواملها وأبعادها وآثارها ولهذا يجب العمل على توجيه القيم الضابطة لعملية الاستهلاك وتنمية ثقافة ترشيد الاستهلاك، تلك الثقافة القائمة على الوعي بأهمية إدارة الموارد المالية سواء على المستوى الشخصي والأسرى، ويجب ألا يزيد الاستهلاك التفاخري بمعدلات تفوق الاستهلاك الطبيعي، ويجب أن تسقط حسابات الغيرة الاجتماعية التي تعزز الاستهلاك التفاخري، ويجب انتهاج الأسلوب العقلاني الرشيد في شراء الاحتياجات الأسرية والشخصية، فترشيد الاستهلاك يعنى الاستعمال الأمثل للموارد بكافة أنواعها والاعتدال والتوازن في الإنفاق، وترشيد الاستهلاك لا يعنى التقتير أو التقشف والبخل، بل هو بمثابة تفكير واعٍ ومخطط للحفاظ على موارد المجتمع وعدم إهدارها ويجب أن تفكر أجيال الحاضر في أجيال المستقبل، فيجب الترشيد في استهلاك المياه والمواد الغذائية والحفاظ على كافة المصادر الطبيعة، حفاظا على حقوق أجيال المستقبل وتحقيق التنمية المستدامة.
@kmulhemm