لكن بين ليلة وضحاها انقلب الوضع تماما، بدأ الإعلام يبحث عند الأطباء وخبراء الأمراض المعدية عن إجابات شافية عن مرض كورونا، وبدأ السياسيون في أغلب الدول لا يخطب إلا وبجانبه خبير وعالم في الفيروسات أو عالم في الطب، وأصبح الخوف يحتل مساحة شاسعة في حياة الناس اليومية، ومع كثرة الموتى ومنظر التوابيت في المستشفيات وهي تساق إلى المقابر أو المحارق، ومع أيضا السباق المحموم لشراء السلع واصطفاف الناس في طوابير تعلو وجوههم هواجس الرعب، ومع الخلافات التي بانت بين دول الاتحاد الأوروبي في علاج هذه الأزمة، أصبحت قيم الحضارة الغربية التي كان يصدح بها في خطابه في كل شاردة وواردة كالوحدة بين دوله وحقوق الإنسان والحريات..ألخ
بيد أن هذه الصورة التي أربكت العالم، ووضعت الحياة الأوروبية على المحك، لا تعني طلاقا بائنا، فالنقد في مثل هذه الحالة للغرب ينبغي أن يوضع في سياقه العام، ولو أخذنا على سبيل المثال البعض من الإيديولوجيين العرب أصحاب مواقف أقصى اليمين من مختلف التوجهات الذين وجدوا في الأزمة الحالية التي تواجهها أوروبا وأمريكا بسبب فيروس كورونا والكوارث التي نزلت كالصاعقة على حياتهم فرصة مواتية كي يعيدوا ما درجوا على التحدث به كلما حلت كارثة في العالم من قبيل: هذه عواقب الابتعاد عن طريق الدين والانغماس في الماديات، إلى آخر هذه التبريرات، أو أن هذه حرب بيولوجية هدفها القضاء على المسلمين من طرف أمريكا أو هدفها القضاء على الصين كقوة اقتصادية صاعدة، أو القضاء على السلطة الإيرانية بزعمها.
لكن ما يتم التغافل أو السكوت عنه عند هؤلاء هو أن مواجهة أزمة كورونا في الأنظمة الغربية اختلفت عنه تماما في الأنظمة الديكتاتورية أو الشمولية، بسبب اختلاف النظامين. الأولى ترى الشفافية في الحديث عن الأزمة، وأن من حق الفرد أن يعرف كل صغيرة وكبيرة عنه هو من صميم قواعدها، بينما الأخرى لا ترى إلى ذلك من سبيل، وأن من حقها ألا تبوح به حفاظا على أمن الدولة. لكن المفارقة أن الكثير يستشهد بالصين لنجاحها بسبب نجاعة أسلوبها ونظامها في التعامل، ويحيل الفشل للغرب بسبب جبروت أنظمتها. والسؤال الذي أود أن أختم به المقالة: لماذا لم تبادر الصين وتعلن للعالم عن خطئها في تحذير العالم عن الفيروس، ولماذا تخفي بعض المعلومات؟ بل أنها أحالت السبب لأمريكا كما فعلت إيران. بينما ميزة الديمقراطية هي الشفافية وإدراك الخطأ.
@MohammedAlHerz3