حسناً كل وزراء الإعلام السابقين، أدلوا بتصريحات أعربوا عن غضبهم من سوء الأداء، وأيضا يسجلون أن الأداء لا يواكب تطلعات الوطن والمواطن. وأحدثوا ضجيجاً، حتى ظننا (والغارق يتعلق بقشة)، أن كل واحد منهم سيقود ثورة تصحيح عقود من السوء والتواكل والانحطاط، ثم نكتشف أننا ننام خالي الوفاض متوهمين ونصحو محبطين على صداعات جديدة. وبعض الوزراء، اجتهدوا، وحاولوا الإصلاح، وواجهوا ظروفاً معقدة و«ثقافة موظفين» (لا صحفيين) عاتية تستشري في كل أوصال الوزارة والقنوات والاستديوهات، والمكاتب الصحفية، وخارج الوزارة أيضا، وعجزوا عن أي فعل، سوى القليل، فاستكانوا، وتوكلوا (ولم يعقلوها) وانتظروا الأقدار يميلون حيث تميل. وبعضهم، ليس لهم أية علاقة «فكرية»، بأي أداء إعلامي، فاجتهدوا سوءا، وأحدثوا جهالة، وزادوا الطين بلة، و«ألقوا الإعلام (والصحفيين) في اليم /وقالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء» (بتصرف).
ووعد الوزير القصبي إن «العمل سيكون حثيثاً بإذن الله خلال الفترة القادمة لتحقيق ذلك (أي تطلعات المواطن)». وهذا أيضاً وعد غليظ قطعه كل الوزراء السابقين.
وعلى الرغم من الإحباط البالغ الحساسية من أي وعود لتصحيح الإعلام وإصلاحه، وجدت نفسي يملأها الأمل والفأل الطيب بتصريحات الوزير القصبي، وهذا أمل وليس تزلفاً ولا تطبيلاً.
أولاً: لأن الوزير، ومن حديثه في المنتدى الإعلامي السعودي، في ديسمبر الماضي، تيقنت أن لديه فهماً مهنياً للمهمة الإعلامية، والأهم يبدو يفقه «الأوجاع». وثانياً: لأن الوزير هو أحد أركان إستراتيجية النهوض لرؤية 2030، وهي رؤية سيعيقها الإعلام وسيسممها أو يقتلها إن لم يجر إصلاح مهني لوسائل الإعلام وغربلة الوسط الإعلامي، حكوميًّا أو أهليًّا، وإخراج «الخشاش» وسن إستراتيجيات «مهنية» لتمكين للصحفي السعودي ليقدم إعلاماً بهوية وطنية. والقضاء على «موضة» استئجار الصحفيين غير السعوديين، الذين، وإن تحلوا بالأمانة والصدق، حتماً يفتقرون للروح الوطنية، وهي، لو قومي يعلمون، نصف الأداء الإعلامي وجذوته.
بقي أن نذكر الوزير القصبي، أن الصحافة، ليست فاترينة عرض، كما هو التوهم العضال، وإن إعداد صحفي محترف أصعب من تخريج بروفيسور جامعة (وكثيرون سيندهشون لهذا). وإن الغالبية الساحقة ممن يدعون أنهم صحفيون في المملكة والوطن العربي، وإن تسيدوا الشاشات وترويسات الصحف، ليسوا صحفيين مهنيين ولم يبلغوا شيئاً من الاحترافية طولاً. وأكثرهم ليس له من صحفيته سوى عدد السنين التي أمضاها، يتقهوى ويزمجر، في مكاتب الصحافة.
(لهذا أوصي أبنائي المتدربين، أن يتجنبوا كلياً التتلمذ على «ركاكة» الإعلام العربي و«خشاشته»، وفقط يجعلونه مصدراً للمعلومات وليس المهنية. لأن أغلب وسائل الإعلام العربي تفتقد كلياً للمهنية، وفي الأخلاقيات المهنية الصحفية أكثر بؤساً وسوءاً. وبذلك، وبقدرة قادر، أصبح المشاهير صحفيين، مع أن كثيراً منهم لن يتمكنوا من كتابة ثلاثة أسطر بمهنية صحفية).
ولا بد هنا أولاً من وضع قواعد واختبارات مهنية، في الوزارة، وفي هيئة الصحفيين، لإنصاف كلمة «صحفي»، وللتصفية وتمييز المهني من «الخشاش».
وأذكر الوزير، من تجربتي، أن لدينا شبابا من أذكى الناس روحاً وموهبة وتطلعاً للمعرفة والتمكين والاستعداد للتطوير المهني، لكن مؤسسات العمل، حكومية وغير حكومية، لم تقدم لهم التدريب الصحيح، وأحياناً لا تعرف كيف السبيل للتطوير، وتعاملهم، دائماً، على أنهم موظفون، مع أن الوظيفة، في رأيي، هي واجب من الدرجة الخامسة للصحفي.
والإصلاح في رأيي لن ينجح إن لم يكن شاملاً، أي «نفض» في وزارة الإعلام وقنواتها ومكاتبها، وفي المؤسسات الصحفية، وفي الصحف الإلكترونية، إن أردنا إعلاماً ناجحاً يخدم الوطن والمواطن. كي يتعافى الإعلام الكسيح المريض، ويعانق نهضة المملكة وتفوقها دبلوسياً وصناعياً وتعليمياً وإدارياً.
• وتر
وطن الضياء..
وعاليات المنائر والذرى
صباحك المسرات..
وأقمار البهاء
والندى