salemalyami@
القارئ المتعمق في الشأن اللبناني المعقد، ليس بحاجة كبيرة لان يقرأ هذا المقال، ولكن من أراد أن يطلع على بعض التعقيدات الداخلية، والإقليمية، وإلى حد ما التعقيدات الدولية التي تحيط جميعها بالأوضاع السياسية، والاقتصادية، والأمنية في لبنان، فإنه قد يجد بعض ما يفيده في هذه السطور. يوم الثلاثاء 11 فبراير 2020 من أغرب وأصعب الأيام في حياة اللبنانيين؛ لأنه شهد محاولات مستميتة من المتظاهرين السلميين لمنع الوزراء والنواب من الوصول إلى مقر البرلمان للمساهمة في منح الثقة لحكومة السيد/ حسان دياب. المتظاهرون ومنذ ساعات الصباح الأولى تواجدوا بكثافة عند ما يعرف لدى اللبنانيين بالسراي الحكومي، وذلك ليحولوا دون دخول النواب، واستخدم البعض منهم الحجارة كما استخدم آخرون البيض الذي ألقوه على بعض النواب الذين أصروا على الوصول للبرلمان، رغم سحب الغاز المسيل للدموع، والأخذ والرد بين قوات الأمن وبين المتظاهرين. جلسة البرلمان المخصصة لمنح الثقة لحكومة رئيس الوزراء كانت درامية بامتياز، حيث ذكرت مصادر أن بعض النواب قضوا الليلة السابقة للجلسة في مكاتبهم أو في فنادق قريبة من مبنى البرلمان! السبب في ذلك أن هناك قوتين اليوم تتنازع الشارع اللبناني، الأولى قوة الناس التي أصبحت على مسافة بعيدة مما يحدث تقليديا وروتينيا في لبنان على مستويات التعاطي السياسي، والاقتصادي والأمني. المفيد أن النواب حضروا الجلسة وتم منح تأشيرة الثقة للحكومة، رغم الأجواء الملبدة بغيوم السياسة والسياسيين في لبنان. والسؤال المهم بعد منح الثقة إلى أين ستتجه الحكومة، وكيف ستتحرك، وما هي قدرتها على تحريك الشارع والتعاطي مع مطالبه التي تتعاظم بمرور الوقت. الشارع الآن قرر الوقوف في وجه أي حكومة لا تلبي مطالبه، ويصر على حكومة اختصاصيين، منقطعين سياسيا عن حواضن المحاصصة الطائفية، وبصورة مباشرة الشارع يعلن عدم الثقة في حكومة السيد دياب؛ لأنها ببساطة شديدة حكومة لون واحد، وخاضعة لنفوذ مكون واحد هو حزب الله، ومن المنظار الإقليمي هي حكومة متناغمة مع الرؤية الإيرانية في المنطقة، وتكمن الخطورة هنا في أن الخيبات الثلاث تتحقق عند هذه القراءة.. الخيبة الأولى: هي خيبة الإنسان اللبناني الذي دافع بشراسة وحاول منع منح الثقة لحكومة بهذه المواصفات، أما الخيبة الثانية: فكانت خيبة الطرف الإقليمي والعربي بالتحديد والذي ما زال يراجع خياراته في لبنان، ولم يقدم حتى الآن على الأقل مقترحا، أو حلا اقتصاديا على وجه الخصوص يساعد في بقاء لبنان ويعزز من تماسكه كمنظومة سياسية، والخيبة الثالثة: هي الخيبة الدولية والتي برزت من خلال المراقبة الدقيقة لتطورات الأوضاع لبنانيا، وامتنعت عن التدخل بما قد يكون مفيدا للبنان وأهله من مبادرات اقتصادية تنعش البلاد من أقسى أزمة اقتصادية يعيشها لبنان منذ الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
هذه الخيبات تعكس مقدار الثقة الذي يمكن أن تحصل عليه حكومة حسان ثابت، حتى وإن فازت بالكاد بأغلبية بسيطة. الناس في لبنان ليس لديهم إلا البقاء في الشارع، حتى مع سوء الأحوال الجوية، ومع صرامة قوات الأمن التي تأتي بصورة استثنائية خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية النظام العام، والشخصيات السياسية، وبعض المقرات السيادية، يزيد من قتامة الصورة في القراءة العامة للمشهد اللبناني أن الناس في الشوارع لا يكفون عن المطالبة بحكومة اختصاصيين ومستقلين أيضا، بشرط أن تكون تلك الحكومة المتخيلة قادرة على مقاربة الوضعين السياسي والاقتصادي. بعض المتظاهرين ذهبوا بعيدا عندما شددوا على استقلال القضاء، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، ونقص الكفاءة. الكل يقر بأن هذه مطالب صعبة اليوم، وقد تقدم الحكومة أفضل ما لديها، وقد يخفف من ضغط الشارع البدء في انتخابات برلمانية مبكرة، إذا سارت الأمور على ما يرام.
salemalyami@
salemalyami@