واليوم انقلب الحال!، فالدول الكبرى والمتقدمة تعي أهمية الكتاب في بناء صروح الدول والحضارة. ولذلك نجد البون الشاسع في مبيعات الكتب بينها وبين الدول العربية، فضلا عن المفارقة الكبيرة في عدد ساعات القراءة وعدد الكتب المبيعة سنويا. وهم يهتمون بالقراءة منذ الطفولة، حيث إن قصص ما قبل النوم ظاهرة منتشرة. وتجد أيضا أن بعضا من كبار المسؤولين يظهرون في الشاشات وهم يقرؤون كتبا للأطفال في حصصهم المدرسية.
في زمن مضى كان الاهتمام بالكتاب من الأولويات، فقد قال عنه الجاحظ (وهو دودة كتب يقرأ كل ما يقع بين يديه من الجلدة إلى الجلدة): «ولا أعلم جاراً أبرَّ، ولا خليطاً أنصف، ولا رفيقاً أطوع، ولا معلماً أخضع ... ولا شجرة أطول عمراً، ولا أطيب ثمراً من كتاب». وليس عباس محمود العقاد من الجاحظ ببعيد، فمعروف ومشهور عنه شغفه بالكتب، فقد قرأ ستين ألف كتاب (60000) حتى إنه كان يقرأ كتبا عن الحشرات!. وابن الجوزي كان يقول: إذا وقعت على كتاب جديد، فكأني وقعت على كنز.
وفي محاولة للحاق بالركب وتشبها بالقوم ولست منهم، فإني أحمل معي دوما بعضا من الكتب المتنوعة في سيارتي، لعلي استفيد منها في الأوقات الميتة مثل: الانتظار في المستشفيات أو المطارات أو العيادات أو المحلات أو المطاعم وغيرها. بالإضافة إلى الوقت الضائع حين يقول لنا أحدهم: ممكن أن تنتظر (خمس دقائق)؟ وإذا بها تصبح ربع ساعة أو نصف ساعة!!. وما أريد أن أخرج عن الموضوع وأستطرد كما يفعل الجاحظ (ويعلل هو ذلك حتى لا يسأم القارئ)، ولكن الحديث عن الكتب عشق وشجون لا يمل، فهي بساتين العقلاء، ويا ليت قومي يعلمون!
وعودا على بدء، فتعدد معارض الكتاب في مختلف مناطق المملكة مع توزيعها على مدار السنة، سيكون له أثر إيجابي إذا كثفنا من زيارات الطلبة من مختلف الأعمار، ليشمل أيضا طلاب الكليات والجامعات، وسيكون له انطباع قوي في أذهانهم عن القراءة والكتاب.
وكم تمنيت أن يكون الزخم الإعلامي قويا لمعارض الكتاب كما هو الحال مع بعض الفعاليات الأخرى!. حيث أعتقد أن مسألة الدعاية والإعلان لمعارض الكتاب ليست بتلك القوة والانتشار. وتحتاج إلى زخم أكثر كثافة وانتشارا على مختلف المنصات الإعلامية التقليدية والحديثة، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتواجد الجيل الشاب بكثرة. وهنا يأتي دور أولئك المشاهير على تلك المواقع الذين أشغلوا المتابعين بالغث أكثر من السمين. فدورهم المجتمعي بنقل وقائع مباشرة من تلك المعارض هو خير كله، لحث متابعيهم على الكتاب والقراءة. وهي فرصة لهم ينقلون للمجتمع شيئا مفيدا وذا معنى، وله أثر باق.
ومن منطلق أهمية الكتاب وانتشاره، فإن المنطقة الشرقية تنتظر بشوق! معرض كتاب دوليا سنويا يقام فيها. وأعتقد أن مسببات نجاحه متوفرة من حيث عدد السكان، وكثرة المدن والقرى، ومنها تواجد شركات عالمية كبرى، ومنها قرب المنطقة لدول الخليج. كل هذه المقومات تجعلنا نتطلع بحماس إلى أن يكون هناك معرض للكتاب سنوي في المنطقة الشرقية؛ لأن الدمام أصبحت تغار بشدة من معرض الكتاب في جدة.
abdullaghannam@