«خويتم الحارثي» كلكم تعرفونه، فهو مادة الإعلام هذه الأيام بموقفه النبيل في العفو عن قاتل ابنه معتز، إثر المشاجرة المدرسية في إحدى مدارس الرياض، «خويتم» كما تناقلت الأنباء مواطن بسيط يعيش على الكفاف، لكنه أكثر ثراء من الثروة ذاتها في مفهومها النقدي والعقاري، فهو ثري بأخلاقه، ثري بقيمه، ثري بقدرته على العفو عند المقدرة، ثري بهذا القلب الكبير الذي يسكن بين أضلاعه، والذي بدا بمساحة الكرة الأرضية عندما تغلب على جرحه، وسيطر على أحزانه بفقد فلذة كبده، وقطعة من روحه ليبادر بالعفو عن الصبي الذي تسبب بموت ابنه، ليس هذا فحسب، بل انداح قلب هذا الرجل النحيل جسدًا، والضخم خلقا وأخلاقًا ليبادر في العفو حتى قبل أن يواري ابنه الثرى، ولتأخذه أريحيته لما هو أبعد من ذلك، ليشترط أيضًا أن يخرج الصبي من موقع التحفظ إلى أسرته، وألا تتم محاسبة أحد من مسؤولي المدرسة!.
أي عفو هذا، وأي تسامح هذا يا أبا معتز، وأي أريحية هذه التي صرفتْ نظر أبٍ مكلوم عما يجيش في داخله وداخل أفراد أسرته من فورة الحزن على فقيدهم، ليستشعر ألم والدي الطفل الجاني، ليحس بآلامهم، وليبادر بمواساتهم بالعفو لحظة سخونة الحدث، دون أن يؤجل، أو يسوّف، أو ينتظر، وقبل أن يتجرّع هو وأسرته هموم فقدهم الكبير، وكل هذا متى؟، في زمن مزادات الدم، في الزمن الذي حشد فيه غيره قوى القبيلة والعشيرة والجماعة لجمع الملايين من أجل إنقاذ رقبة قاتلٍ راشد مع سبق الإصرار والترصد، وفي الزمن الذي تحوّل فيه الدم إلى تجارة بغيضة، رغم كل نداءات المنابر للخروج من ذلك المستنقع. هنا جاء «خويتم» واحتسب ابنه عند الله وعفا كما ينبغي أن يكون العفو دون أن ينتظر ديةً أو تعويضًا، أو زيارة وجاهة، ليكسب رضا الله. وأنا هنا أريد أن أتساءل عمن يتحدثون عن المسؤولية الاجتماعية من الشركات والبنوك والشخصيات الاعتبارية، أين هم من تقدير هذا الموقف النبيل ليس من أجل سوق الدية من طريق مختلف، وإنما من أجل صناعة القدوة لقطع الطريق على مزادات الدم بترقية صنيع هذا الرجل الفاخر؟، أين حتى الجهات الرسمية كوزارة الشؤون الاجتماعية من تثمين هذا العفو لجعله أنموذجا يحتذى؟، رغم أني على يقين من أن من بحث عما عند الله فلن يلتفت إلى ما عند الناس.. شكرًا «خويتم» فكم أثرت فينا سيول من دموع التأثر بسمو روحك، عوّضك الله في ابنك خيرًا، وفتح لك وله بهذا العفو النبيل أبواب جناته، وألهمك وأسرتك السلوان.