تجاذبت أطراف الحديث مع عدد من الأصدقاء الذين حالت مشاغل الحياة دون رؤيتهم لفترة ليست بالقصيرة، وكنت سعيدا أن التقيت بهم في إحدى المناسبات الاجتماعية، وكان النقاش قد بدأ بسؤال أحدهم لي حين قال: «كيف رمضان، هنا ولا هناك أحسن؟» وكانت الإشارة في سؤاله بقوله: «هناك» إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي قصدتها لفترة تدريبية مرتبطة بعملي أدركت خلالها الشهر الفضيل، فجاوبته على قدر السؤال بقولي: «أكيد هنا»، ليبدأ بعدها نقاش حول أن رمضان في أمريكا قد لا يكون خيارا صعبا في كل الأحوال، فهي بلاد تحترم كل الأديان عطفا على التنوع الديني والعرقي لديهم، كما أن هنالك العديد من السعوديين المتواجدين بغرض الدراسة أو العمل الذين يحرصون على التقارب في رمضان وتبادل الزيارات والدعوات للإفطار والسحور وقصد المساجد والأماكن المخصصة لأداء صلاة التراويح والقيام، ونوه آخرون بدور السفارة والقنصليات والنوادي الطلابية التي تبذل جهدا خاصا في المناسبات والأعياد لخلق أجواء حميمية وروحانية وأسرية في بلاد الغربة، وهو حال أغلب الجاليات المسلمة التي تحتفي مع بعضها البعض بالشهر الفضيل وتحرص على توفير كلفة ما يلزم لاستشعار روحانيته وبركته.
حقيقة كل ما ذكروه واقع لمسته شخصيا، ولكن من وجهة نظر أخرى أن تمضي نهار رمضان في وطنك بلاد الحرمين الشريفين والكل من حولك يشاركونك ما أنت تجاهد نفسك عليه من صوم وتجد وقتا تسكن فيه إلى قراءة القرآن ثم يأتي أذان المغرب وأنت محاط بأسرتك أمام أطباق طعام معدة بعناية ومحببة من آل بيتك وتخرج بعدها للصلاة في سكينة وطمأنينة إلى مسجد الحارة لترى بهجة وروحانية الشهر في محيا الجميع صغارا وكبارا، ثم تعلم أنك حيثما قصدت بعدها سواء منزل أقاربك أو مجلس معارفك فإنك ستجد من تشتاق لرؤيته في انتظارك، إضافة إلى أنك تعلم أن مكة قريبة وهي مسألة ساعة تزيد أو تنقص لتجد نفسك في رحاب بيت الله العتيق لأداء مناسك عمرة وصلاة تهجد واعتكاف في أطهر بقاع الأرض، جميع هذه المشاهد تجعلني أقول: ورغم جميع الجماليات والكماليات التي تتوافر في بلاد الغربة لكن يظل رمضان غير في ديرة الخير.