في البداية من المهم أن نُعرف معنى «العمالة الناقصة» والتي لا يتمنى أي اقتصادي أن نصل لمستويات متقدمة منها، فالعمالة الناقصة هي العمالة التي نجدها تعمل بجزء من قدراتها وليس بالكامل، فعلى سبيل المثال عندما نجد شخصا يحمل مؤهلا جامعيا في «الاقتصاد» واضطر للعمل في وظيفة «كاشير» لأنه لم يستطع الحصول على وظيفة في مجاله، فمن هنا نجد خللا واضحا في المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وسنضطر لاحقا للدخول في مرحلة أصعب وهي مرحلة تحويل المسار حتى نُعدل من هذا السلوك في سوق العمل.
كوجهة نظر شخصية أرى أهمية لوجود إستراتيجية تطبق على جميع المراحل العلمية لزيادة ثقافة العمل لدى الداخلين المحتملين لسوق العمل، والهدف من ذلك بناء جيل مختلف عن الأجيال السابقة، وتعتمد تلك الإستراتيجية على تصميم برنامج إلزامي للطلاب للعمل لساعات عمل محددة في مجال تخصصهم خلال المرحلة الدراسية وذلك بالتنسيق مع منشآت القطاع الخاص بشتى أحجامها، ويزداد عدد تلك الساعات من مرحلة دراسية لأخرى، ويتم ربط تقييم الطلاب أثناء تلك الفترة في منصة «قوى» التي أطلقتها مؤخرا وزارة العمل حتى تكون هناك جدية أكبر.
تطبيق هذا التوجه سيكون له تأثير إيجابي على زيادة ثقافة العمل لدى الأجيال القادمة، وسيساهم بشكل كبير في تطوير جيل قادم يدعم زيادة التراكم المعرفي في سوق العمل الذي عانى من ضعف في دوران التراكم المعرفي وبطء في تطوره، وسيسهل من زيادة تواجد المشتغلين السعوديين في نفس تخصصاتهم بشكل أكبر في سوق العمل مما يقلل من معدلات البطالة ويقلل من وجود العمالة الناقصة، وربط هذا التوجه بكل شفافية مع التقييم في منصة «قوى» سيكون له تأثير في التنافس على طلب توظيف المتميزين مما يؤثر ذلك على ارتفاع الأجور بشكل صحي في سوق العمل.
التوطين في معناه يحمل آفاقا واسعة، والمسألة ليست دفع الكوادر البشرية إلى سوق العمل فقط، وغياب إستراتيجية لمرحلة «ما قبل الانتقال لسوق العمل» خلال السنوات القادمة يعني أننا نعمل على حلول مؤقتة لقضايا اقتصادية قد تتكرر وتتفاقم بشكل أكبر، والدور هنا تتحمله وزارة التعليم بشكل أكبر كقائد للتحول في هذا الملف وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى.
ختاما: البطالة قضية اقتصادية وليست قانونية، وحتى تكون مخرجات التعليم لدينا جاذبة وداعمة للاقتصاد بشكل واضح، من المهم أن تتحول إستراتيجية التعليم في المملكة أثناء مرحلة الدراسة بالاعتماد على «الميدان» بشكل أكبر من الاعتماد على «التعليم بالقاعات».