ليس هنالك ما هو أبشع من الحروب، عدا ما تتركه من آثار مدمرة في نفسيات الطفولة التي يفرض عليها القدر أن تحيا أهوالها، وأن تتجرع مآسيها حتى وإن نجت من الموت، هؤلاء الأطفال هم الضحايا الحقيقيون للحروب، وهم من ستحمل نفوسهم مشاهدها المؤذية ندوبا لا تزول أبد الدهر، وقد تدفع بعضهم إلى رفض الحياة بشكل مطلق إن لم يتمكن من الخروج من ثقافة الحرب بحيث يتحول إلى حزام ناسف قابل للانفجار في أي لحظة.
في حرب اليمن، جندت الميليشيات الحوثية الأطفال في معظم جبهات القتال، أولا لأنها ميليشيات لصوصية لا تؤمن بأن للحروب حتى الحروب آدابا وأعرافا يجب أن تُحترم من أهمها إبعاد الأطفال عن رحاها، وتجنيب النساء وكبار السن مآسيها، وذلك لغرضين دنيئين، أحدهما للنقص في عناصر الحرب، ما دفعهم للزج بالأطفال إما تحت تأثير القات المخدر، أو بتهديد أهاليهم لإرسالهم إلى جبهات القتال لسد الثغرات، والثاني لاتخاذهم كدروع بشرية، ودون أي مراعاة أو اعتبار أخلاقي لطفولتهم وبراءتهم، وانعكاس مشاهد الحرب ومآسيها على من يكتب الله له النجاة منهم، وهذا ما دفع مركز الملك سلمان للإغاثة والذي يشكل ذراع التحالف الإنساني، لتنفيذ مشروع ورشة عمل شديدة الأهمية تختص بإعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالنزاع المسلح هناك، لأن المملكة لا يعنيها أن تنتصر للشرعية اليوم وحسب، وإنما يهمها أيضا، وكثيرا مستقبل اليمن، والذي يمثله أطفاله، هؤلاء الذين يصر المتمردون على تحطيم وتشويه وتهديم نفسياتهم، وكسر حبهم واحترامهم للحياة، عندما يجبرونهم دون أي رحمة على حمل البنادق بدل الُلعب، واعتياد مشاهد الموت، مما قد يتسبب في صناعة جيل دموي قد يكون سببا لا قدر الله في عدم استقرار اليمن مستقبلا، وتحويله إلى ساحة صراع أزلية، لهذا انحاز المسؤولون عن المركز إلى هذه الورشة الإنسانية التي تعكس مدى حرص المملكة على مستقبل اليمن واليمنيين، وهي التي دخلت هذه الحرب المفروضة عليها بمبضع الجراح الذي يريد أن يستأصل المرض ليتعافى المريض. ولعل هذا الموقف الأخلاقي للمملكة التي تعمل على إنقاذ اليمن من مختطفيه، وتسعى لدعم اقتصاده وتماسكه، وتعالج بذات الوقت مستقبل أطفاله لتعتقهم من ثقافة الدم التي ضخها الحوثيون في عقولهم الغضة، يدفع اليمنيين كل اليمنيين ليعرفوا حقا الصديق من العدو.