أي شخص في هذا العالم لو سألته ما الذي تتمناه في هذه الحياة لأجابك على الفور: الرفاه والسلام. ومع ذلك الرفاه شحيح والسلام لا يكاد يصحو قليلا حتى يغفو كثيرا في بقاع متعددة من الأرض التي لا يزال أهلها يتناحرون بغية التسلط والمغانم. ولذلك فإن كل بارقة أمل أو بارقة التقاء بين المختلفين هي بشارة أمل للناس الذين أتعبتهم الحروب وأضناهم الفقر والتشرد وصنوف المهانات. من هذه القاعدة، إذا جاز أن نعتبرها قاعدة، يمكن أن ننظر إلى الزيارة المفصلية والتاريخية، التي يقوم بها بابا الفاتيكان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
في هذه البقعة من العالم، أي في الخليج العربي وفي المنطقة العربية برمتها، تمثل الإمارات مفتاحا كبيرا ومهما لحوار الأديان والحضارات وتبادل المنافع والمصالح بين الدول والشعوب. وهي سبقت كثيرا من الدول والمجتمعات، في ممارسات عديدة، إلى التسامح الديني والاجتماعي مع المقيمين بها من كل الأديان والحضارات؛ على أساس أن الدين لله والوطن والمصالح للجميع. وأعتقد أن هذا هو الأساس الذي بنيت عليه زيارة البابا باعتباره باحثا، بحسب رسائله المتواترة، عن أمان الإنسان ورخائه وحقه في ممارسة شعائره؛ مثله مثل الإماراتيين وكثير من الخليجيين في هذه المرحلة.
لم يأت بابا الفاتيكان إلى الإمارات لينصر المسلمين ولا حمل معه لواء التبشير بعقيدته في هذه الزيارة. كل ما صرح به وما حملته خطاباته حتى الآن فتح وتوسيع أبواب التسامح والالتقاء بين الأديان وإعطاء كل إنسان حقه في اختيار معتقده الديني. وهو لم يأت بجديد في هذا الباب فكل الأديان بما فيها الدين الإسلامي تعطي للإنسان هذا الحق: (لا إكراه في الدين). هو، كغيره من حاملي لواء التسامح بين البشر، يذكر الناس أينما حل بأن لا معنى ولا قيمة لحروبهم الناتجة عن التقاتل الديني والطائفي. وأن ما يجمعهم، كما يقول كثير من مشايخ الإسلام في كل مكان، أكثر مما يفرقهم.
على ذلك فإن زيارة البابا لدولة الإمارات تعد زيارة مبشرة وسيكون لها ما بعدها في علاقة العالمين الإسلامي والمسيحي ببعضهما بغض النظر عن أجندات السياسيين وتربصات المتطرفين هنا أو هناك.