الظرف الزمني والجيوسياسي الذي ينعقد فيه الاجتماع الـ (39) للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة الرياض، هو بالتأكيد ظرف استثنائي ودقيق للغاية، ذلك لأن المنطقة برمتها تمور بالكثير من الأحداث والمتغيرات في إطار احتشاد دولي، وتدخلات إقليمية غير مسبوقة، حولت المنطقة إلى ما يشبه حقل الألغام، وذلك بعد أن اختل ميزان التناغم بين الأشقاء، لحماية الأمن العربي والخليجي، عندما ذهب البعض لتقمص أدوار التفرد وتحت عناوين الاستقلالية ليرتمي في أحضان من لا يكن له ولأمته إلا السوء، مما شكل بالنتيجة خرقا تسللت من خلاله القوى الطامعة لتعيث فسادا في جسد الأمة، ولتأتي على ما تبقى لها من حصانات ذاتية، كان يمكن أن يتم البناء عليها بقليل من الحكمة والبصيرة، وتطويرها لرفع كفاءة المناعة العربية ضد أي تغول أجنبي، وكان مجلس التعاون الخليجي أحد أهم تلك السياجات التي طالما أمنت رص الصف، وتمتين بنيته لمقاومة تعديات الطامعين، وبالتحديد الإيراني والتركي، التي وإن تسلل كل واحد منهما بعنوان مختلف، إلا أن النتيجة في النهاية تظل واحدة، وهي النيل من تماسك هذه الشعوب، وضرب وحدتها واستقلالها واستقرارها، وهو ما كانت المملكة تعمل جاهدة طوال سنوات خلت على التنبيه إليه، لإيقاظ الهمم بضرورة تجاوز كل الشكليات وصولا إلى جوهر غاية وجود هذه المنظمة، في الحفاظ على وحدة الخليج، ووحدة أوطانه وشعوبه، وتطوير تحصيناته الأمنية والفكرية، والاقتصادية، والتجارية، والتكامل فيما بين دوله وشعوبه ومؤسساته بما يجعلها قادرة فعلا على تخطي كل ما يعترضها من الإشكالات أو المؤامرات.
ما كانت تخشاه المملكة والمخلصون من دول الخليج حدث الآن، وها هي التدخلات تظهر للعيان من كل حدب وصوب، ليس أقلها دخول إيران على ظهور الحوثيين إلى اليمن، وقبلها استباحة العراق وبلاد الشام من قبل ميليشيات قاسم سليماني وغيرها لتحيط الخليج من كافة الجهات لولا يقظة المملكة، وسعيها لقطع الطريق على تلك القوى بالعمل سريعا على استعادة العراق للحضن العربي، والتصدي للتمرد الحوثي لإيقاف التمدد الإيراني الذي لم يعد تهديدا بل أصبح واقعا لا تزال المملكة وأشقاؤها في التحالف تتصدى له بكل قوة، وهو ما يفترض معه إعادة طرح السؤال مجددا، عما إذا كانت قمة الرياض ستنجح في إعادة تفعيل البوصلة الخليجية لمنع خرق السفينة؟.