وبروز هذا الاختلاف كان فقط عامل وقت. فالفاصل الاجتماعي بين دولة مثل أمريكا والدول الواقعة في جنوبها هو فاصل كبير، وهو ما يسمى (Social Divide). وما زلت أذكر هذا الفارق الاجتماعي الكبير منذ نهاية العام 1974م عندما قمت بأخذ رحلة قصيرة بالسيارة من قاعدة لاكلاند الجوية بمدينة سان أنتونيو بولاية تكساس إلى مدينة «لاريدو» الحدودية مع المكسيك. وقد كان الفرق واضحا في البنية التحتية والنظام والنظافة وأكثر من ذلك هو الفوضى الاجتماعية والفروقات في التنمية رغم أن المسافة بين المدينة الأمريكية والمكسيكية هو الفاصل المائي النهري الضيق. ورغم التطور في هذه المدينة الحدودية المكسيكية وغيرها من المدن منذ ذلك الوقت، إلا أن المراقب الأمريكي منذ زمن يعلم أن قضية الحدود ستستمر. بل أن الكثير من المحللين يعتبرون أن المكسيك ودول أمريكا الوسطى تعتبر التهديد الأول على أمريكا؛ كونها دول جارة جغرافيا. فأنت تستطيع تغيير ما تكتب في كتب التاريخ، ولكنك لا تستطيع تغيير ما في كتب الجغرافيا.. وفي مقالي القادم سأتحدث عن الحدود السعودية - اليمنية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن - وبحدة - عن تهديده لجارته دولة المكسيك، ووضع قوات حرس الحدود والقوات المسلحة في المناطق الجنوبية من أمريكا على أهبة الاستعداد. والسبب ليس له علاقة بهجوم عسكري محتمل أو تهديد مكسيكي بغزو الأراضي الأمريكية التي خسرتها في حرب عام 1846م بعد خروج ولاية تكساس وتصبح ولاية أمريكية. ولكن سبب إعلان التأهب هو نزاع يعود إلى تاريخ طويل من الهجرة غير الشرعية من الأراضي المكسيكية إلى الداخل الأمريكي سواء من المكسيك أو هندوراس وغواتيمالا وغيرهم من دول أمريكا الوسطى. ولكن هل ما يجري من شد وجذب بين أمريكا وجارتها المكسيك هو أمر مفاجئ؟
في الحقيقة، إن ما يحدث الآن من خلاف حيال الهجرة غير الشرعية للداخل الأمريكي طلبا لحياة أفضل ليس بالشيء الجديد. وكذلك فإن التخطيط لفصل الحدود المفتوحة بصورة نهائية ليس بالشيء الجديد رغم أنها تمتد لآلاف الكيلومترات. فمنذ زمن وبعض الولايات الأمريكية الجنوبية قد بنت في بعض المناطق المكشوفة والمعزولة حواجز فاصلة. ولكن ما أن طالب الرئيس الأمريكي منذ بدء حملته الانتخابية ببناء جدار عازل بين أمريكا والمكسيك اتضح للعالم أجمع عمق الخلاف بين الدولتين.