ما أعلنته النيابة السعودية حول مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي والناتج عن شجار أو اشتباك نشب داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول يعطي درسا هاما لا يمكن أن ينسى لكل الأوساط السياسية والإعلامية في العالم بعدم التسرع في اختلاق الروايات حول أي حدث قبل التحقق من صحته، فالنتيجة الأولية للتحقيق حول ملابسات الحادث تظهر بجلاء أن المملكة حريصة أشد الحرص على تحقيق العدل والمساواة، فتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- إثر الحادث تنطلق في أساسها من الاعتماد على مبادئ وتشريعات العقيدة الإسلامية السمحة بمحاسبة أي متجاوز أو مقصر كائنا من كان بغض النظر عن أي اعتبارات، وهذا ما حدث على أرض الواقع فيما له صلة بقضية الكاتب السعودي، فالمملكة حريصة من هذا المنطلق على تحقيق مبادئ العدالة ومحاسبة المتورطين في الحادث، وهو مسلك تنتهجه المملكة منذ قيام كيانها الشامخ على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وحتى اليوم، وهو مسلك واضح وحميد تشهده أروقة محاكمها من خلال قضائها المستقل الذي لا سلطان لأحد عليه سوى ما نصت عليه أحكام الشريعة الإسلامية وأنظمتها المرعية، والإعلان الأولي من النيابة حول مقتل الكاتب وما رافقه من إعفاءات لمسؤولين في الديوان الملكي والاستخبارات العامة يؤكد من جديد على سلامة الموقف السعودي إزاء ما حدث، وهو موقف يدل دلالة واضحة على الاهتمام المطلق بالمواطنين ورعايتهم والاهتمام بتبيان الحقائق وإظهارها أمام الرأي العام وعدم إخفاء تفاصيلها وجزئياتها عن الأنظار.
ومنذ اختفاء الكاتب والقيادة الرشيدة بالمملكة تبدي تدخلها الشخصي لمعرفة الحقيقة، وتبعا لذلك فقد أرسلت فريق عمل للتحقيق في اختفاء الكاتب لحرصها الشديد على معرفة كافة الملابسات التي اكتنفت الحادث، ولاشك أن سياسة التريث لمعرفة الحقيقة هي التي التزمت بها المملكة منذ بداية الشروع في التحقيق عبر الفريق السعودي التركي المشترك، وقد حرصت المملكة على النأي بجانبها عن الخوض في تكهنات وتخمينات لا تخدم القضية، وقد نصحت سائر الأوساط السياسية والإعلامية بعدم التسرع في نشر استنتاجات خاطئة قبل الوصول إلى نتائج التحقيقات، وهاهي النتيجة الأولية تظهر بالإعلان الصريح عن النيابة السعودية بمقتل الكاتب وتعلن أنه جاء إثر شجار في قنصليتها بمدينة إسطنبول وإعلان المملكة عن توقيف ثمانية عشر شخصا في إطار التحقيق ومحاسبتهم وتقديمهم للعدالة لتقول كلمتها الفصل فيما أقدموا عليه، وهكذا التزمت المملكة بسياستها الثابتة والهادئة تجاه الحادث وأعلنت ما حدث للكاتب عبر تدخل القيادة الرشيدة لاحتواء تلك الأزمة العالقة باطلاق التحقيق الداخلي المستند إلى معطيات واستنتاجات فريق العمل السعودي التركي المشترك، والإعلان في حد ذاته يخرص تلك الهجمات السياسية والإعلامية ضد المملكة ويضعها أمام أخطائها الفادحة التي غرقت في بؤر أوهام وظنون وشكوك لا أساس لها من الصحة والواقع.