DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

التحول في الأغاني المحلية

التحول في الأغاني المحلية

تعكس الأغاني الشعبية على وجه الخصوص مزاج الشعوب، وتكون محصلة لتمازج الأفكار مع التاريخ والثقافة المتغيرة. لذلك كانت هذه الأغاني والأهازيج موروثاً مهماً تتوارثه الأجيال، ويكون مصدراً فائق الأهمية للدارسين من المختصين بعلوم الاجتماع والفلكلور والأنثروبولوجيا، من أجل التعرف على التطورات التي رافقت أفكار المجتمع، وترسخت بوصفها ثقافة ينسج منها شعراؤه ومغنوه معزوفات تعبر عن تلك العجينة المترسبة من ذرات على مر العقود في تاريخ تلك الجماعة.
وهكذا تنشأ عملية التوازي بين حياة الناس العادية وشؤونهم المعيشية وبين القيم والمُثُل التي تتحول إلى متّكأ مباشر للعبارات الشعرية ومسار لتخييل الأفكار المرتبطة بالرغبات والمشاعر والتحليلات العينية للأشياء والنفسية للبشر المحيطين بهم. وإذا أراد المتتبع لحياة شعب من الشعوب، أو جماعة ثقافية ذات خصوصية عرقية أو مهنية أو دينية؛ فإن السبيل الأقرب لمعرفة تطورات شؤونهم الحياتية يكمن في تأمل أغانيهم الشعبية وأهازيجهم، التي يلجأون إليها في أفراحهم وأتراحهم. فمن خلالها يمكن للمرء التوصل إلى مكنوناتهم النفسية ومصادر سعادتهم ومخابئ آلامهم، التي تظهر في الكلمات الغنائية والألحان والأزياء الخاصة وطرق تفاعلهم مع تلك الموروثات.
كانت الأغاني العربية في قديم الزمان؛ خلال القرون الهجرية الأولى، تعج بألفاظ واسعة الطيف، مما يتصف بالعذوبة والرقة، التي تميزت بها القصائد المغناة في الفترة العباسية على وجه الخصوص. فقد أصبحت بغداد مكاناً جاذباً للمغنين الذين اختاروا قصور الخلفاء ووجهاء عاصمة الخلافة لإبداعاتهم في الألحان، بعد تخيرهم للقصائد الرقيقة الكلمات ذات الأصوات العذبة المخارج. فأصبحت هناك مدارس تُعنى بصقل تلك المواهب التي تستطيع إسعاد الناس وإدخال البهجة إلى نفوسهم، مثلما صار من المسلمات أن يتولى شؤون الترفيه في مجالس ذوي الشأن، أو حتى في منازل أفراد الطبقة المتوسطة من المجتمع والمثقفين فيه، رجال أو نساء من ذوي البراعة في الاختيار والأداء المتقن والمناسب في كل مناسبة أو في جلسات السمر بين الأصدقاء والرفاق.
لكن تلك الفترة انقضت بعد أن أصبحت الطبقة العليا في المجتمعات العربية من أعراق غير عربية، فتلاشت تلك المختارات الغنائية العربية، وحل بدلاً منها أغان تمثل مزاج تلك الطبقة الجديدة. ولم يعد المجد للأغنية إلا في منتصف القرن الميلادي الماضي، بعد استقلال البلدان العربية وعودة الناس إلى أغانيها الشعبية من جديد. فبدأت القاهرة وبيروت تتنافسان على صناعة أغانٍ عربية تخاطب المزاج العربي وتحقق له نشوته، ثم نافستهما في وقت لاحق بغداد ودمشق ومدن عربية أخرى بعد ذلك، لإنشاء أجواء الطرب الشعبي المستمد من تلك الثقافة العربية القديمة عن طريق إحياء بعض قصائدها واستدعاء بعض ألحانها أو التجديد فيها.
ونستطيع القول، إن حقبة الخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي وربما طرفاً من السبعينات قد عاشت فيها الأغاني العربية عصراً ذهبياً يحاكي القديم في قوة القصائد والألحان. لكن الربع الأخير من القرن الماضي، وما بعده في هذا القرن، عاد الوضع فيه إلى التردي، الذي بلغه إبان حقبة خفوت الفن الغنائي في العصور القديمة. فما الذي حدث لدينا خلال هذه العقود الأخيرة؟ في ظني أن عاملين رئيسين لهما دور في ذلك التحول: أحدهما النشاط الملحوظ للجماعات الإسلامية، التي كان أحد أكبر همومها شيطنة الفنون عموماً، وفنون الغناء على وجه الخصوص؛ أما الآخر فيتمثل في ازدياد هيمنة القنوات التلفزيونية الفضائية على إنتاج الغناء وشراء حقوق الفن بطريقة الاحتكار الرأسمالي، مما جعل المواهب تضيع في خضم صناعة التيارات الاستهلاكية. فأصبحت - مع بعض الاستثناءات القليلة - الكلمات رديئة والألحان رتيبة والأداء ضعيفاً؛ فقد أضحت الشاعرية فيها مفقودة، والمقاصد التجارية هي الهدف الأول والأخير.