وأكاد أميل إلى الرأي الذي يقول، إن البحر أيضا يختلف عن النهر في سعته وكونه مشاعا لكل الناس من جميع البلدان بالمرور منه، خلافا للأنهار، التي تكون مياها إقليمية في إطار السيادة الوطنية للبلد الذي يجري فيه النهر. ولهذا فإن البحر باتساعه ونقله لمختلف الناس والمراكب والبضائع من كل مكان، يُحدث تغييرا في نفوس الناس الذين يعيشون على سواحله. فيجعلهم يتعرفون على كثير من الثقافات، التي يحملها بعض البحارة والممتهنين أيا من المهن المرتبطة بالتجارة البحرية أو صيد الأسماك، أو حتى السياحات البحرية، التي انتشرت في العصر الحديث. فاستقبال أولئك الناس المختلفين عن أصحاب الموانئ البحرية في أصولهم العرقية وعاداتهم، وربما أجسادهم وألوانهم وأديانهم وأحوالهم الاقتصادية، يجعلهم يتقبلون فكرة الاختلاف، ويعدونها جزءا من الحياة الطبيعية. علاوة على أن بعض تلك المرافئ تجعل بعض الوافدين إليها يستقر فيها بصورة دائمة، مما يجعل تنوع سكانها يزداد تبعا لاختلاف تلك الفئات، التي اختارت البقاء بين أهلها. وهو أمر ثابت في الدراسات الطبوغرافية السكانية، حيث تحتوي الفئات السكانية لمدن السواحل تنوعا أكثر من مدن الداخل، وخاصة الموانئ التي يكون لها شأن في التجارة والملاحة العالمية.
أما من الناحية النفسية، فإن البحر يحقق لمن يسكن قريبا منه شيئا من الطمأنينة وراحة البال، سواء تحقق ذلك من خلال الرحلات البحرية القصيرة أو الطويلة فيه، أو من خلال التجول على شواطئه، أو الجلوس والوقوف أمام أمواجه الخفيفة أحيانا، والهادرة في أحيان أخرى. ففي تلك الأوقات تكون هناك مناجاة من نوع خاص بين البشر وتلك الأمواج، التي تقبل على المرء في الشاطئ بشيء من الانتظام، مع استمرار طغيان أصوات الماء المريحة للإنسان في حالات الضيق أو التوتر. ولهذا نجد كثيرا من أهل المدن الساحلية يخصصون أوقاتا للبحر يستقرون فيها أمامه مجتمعين أو فرادى، ليحقق لهم تلك الراحة، التي تجعلهم لا يريدون العيش في مدينة أخرى لا تطل على شواطئ بحرية، مما يفقدهم تلك المتعة اليومية. وفي هذا الشأن، يردد بعضهم، بأنه مسكين من يعيش دون بحر بجانبه!
من الناحية النفسية، فإن البحر يحقق لمن يسكن قريبا منه شيئا من الطمأنينة وراحة البال، سواء تحقق ذلك من خلال الرحلات البحرية القصيرة أو الطويلة فيه، أم من خلال التجول على شواطئه
[email protected]