ما شد انتباهي هو أن الجامع مزدحم جدا رغم انه في طرف بعيد وناء والمصلون كانوا يصورون المبنى بعد الصلاة رغم خلوه من أي زخارف وتفاصيل غير تكوينه الإنشائي والمعماري المدهش. العالم بحاجة إلى أن يرى عمارة مختلفة للمسجد ولا يمكن أن اقول إن الصلاة في هذا المكان لم تكن لها خصوصية فالتدرج سمح لمن كان في الصفوف الخلفية التواصل مع الإمام لكن بالطبع هذا التدرج فرضته طبيعة الموقع الجبلية ولا يفترض أن يكون في كل جامع. ما تدعمه جائزة الفوزان هو هذه الروح الجديدة التي يجب أن تحملها عمارة المسجد والحلول التقنية التي يمكن أن تتبناها، فقاعة الصلاة لم تكن مضاءة صناعيًا إلا في جزئها الخلفي، بينما سمحت اضاءة أعلى جدار القبلة بتدرج الإضاءة إلى وسط القاعة لتركز الانتباه على الجزء الأهم وهو المِحْراب وخطيب الجامع.
في المقابل هناك الحميمية التي يعكسها مسجد الحارة بصورته التقليدية المحضة والتي يبدو أننا فقدناها. الجمعة الفائتة كنت والزميل الدكتور ابراهيم النعيمي في أحد مساجد مدينة البليدة نصلي الجمعة وقد أدهشنا التواصل الاجتماعي بين المصلين. لم تكن عمارة المسجد هي الملفتة للنظر ولكن الناس كانوا هم المحرك لروح المسجد، وهذا ما يجعل الأمر ذا أبعاد متعددة، فلا تقتصر المسألة على الشكل فقط بل هناك روح تتسلل إلى المصلين وتسري في قلوبهم وعقولهم هي التي تجعل من هذا المبنى الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم (يبلغ عدد المساجد حوالي ٣ ملايين مسجد منتشرة في كل بقعة على هذه الأرض) وهو ما يزيد من حجم مسؤولية الجائزة التي تتطلع إلى إعادة التفكير في هذا المبنى الإنساني/ الكوني بصورة جذرية لا تخرج عن امتداده التاريخي، لكنها تؤكد على امتداده المستقبلي الذي يشكل تحديًا حقيقيًا. في البليدة الجزائرية كان الحوار مع الدكتور ابراهيم والمعماري راسم بدران والأصدقاء الجزائريين حول ماذا تعني عمارة المسجد في هذا القرن المليء بالتحديات. بين جمعة البليدة والحضور الاجتماعي الخلاب وبين جمعة اسطنبول وحضورها المعماري المدهش تكمن عمارة المسجد في القرن الحادي والعشرين.